ظهرت شخصيات كثيرة من أعلام الفكر ، والثقافة ، والعلم ، والأدب بين أفراد شعبنا الشركسي الذين نفخر ، ونعتز بهم ، ويحق لهم أن نذكرهم دائما ، ولا ننساهم ، ومن بين هؤلاء الحاج بتش أنتشوق الذي مضى على ميلاده مئة وسبعون عاما حيث ولد في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول سنة ( 1846 ) في قرية لغوتخ ، وفي أسرة ريفية كادحة . نظم الباحثون في قسم العلوم ، والدراسات اللغوية ، والتطبيقية بمعهد الجمهورية للتراث ، والأبحاث ، والعلوم الإنسانية بمدينة مايكوب عاصمة جمهورية الاديغي مؤتمرا دوليا بهذه المناسبة ، وإحياء لذكراه شارك فيه باحثون من جمهورية قباردينا بلقاريا ، وجمهورية القرشاي شرجس ، وجمهورية أبخازيا ، وجيورجيا ، وتركيا ، وأذربيجان ، وجمهورية الداغستان ، وغيرها.
كان مؤلفا ، وباحثا ، وشاعرا ، وملحنا ، وحاميا للفكر ، وجامعا للتراث القومي ، وقد وصلتنا الأمثال الشعبية التي قام بجمعها ، وكتابتها ، والتي بلغ عددها نحو مئتين ، وعشرة أمثال تقريبا . كان يدرك معاني ، وأهمية تلك الأمثال ، وماتحمله من معان ، وأفكار عميقة ، وما ترمي إليه من توجيهات ، ومواعظ ، وأبعاد تربوية ، رغم قصرها ، وكان على دراية بما تتصف به من قوة ، ومتانة في تركيبها ، وجمال في تكوينها ، وتلاؤم ، وانسجام ما بين ألفاظها ، ومكوناتها ، وكان يوظفها في حديثه عند الحاجة ، ويضعها في مكانها اللائق لتفي بغرضه.
ونود أن نذّكر من يعرف مسار حياته وبكلمات قليلة وموجزة عمنا القومي ، ونطلع من لا يعرفه على طريق حياته . تعرف باحثنا على رجل من أهالي قرية أسقلاي ، ومن عائلة شمباتقو يعرف العربية لغة القرآن بشكل جيد ، ويعالــج المرضى بالأعشاب ، والأدوية الشـعبية ســنة ( 1874 ) . كان الحاج بتش أنتشوق يداوي العديد من المرضى الذين أصيبوا بأمراض مختلفة كالحلق ، والأذن ، والأنف ، والجلد ، والظهر ، وغيرها دون أن يقوم بأي عمل جراحي وعن طريق الأدوية ، وشفى كثيرا من المرضى في بيته الصغير المغطى بأغصان نبات البوط المجفف.
كان من بين من شفاهم ، وأنقذهم من براثن المرض المستفحل السيد لِوْ تراخو وكان رجلا غنيا ، ومعروفا ، وبعد أن برئ مـــن مرضه ، وشـــفاه قال لــه : سأبني لك بيتــا لم يـره أي شركسي لكنه رفض هذه الهدية ، ولم يقبلها الحاج بتش أنتشوق . لم يكن يتمن أن يصبح غنيـــا ، وكان يقول : » من المعيب أن تكون غنيا ، وهناك إنسان فقير » ، وكان لا يجد وقتا ليلبي حاجاته الشخصية ، فقد سخر كل طاقاته لخدمة الناس ، لم يكون أسرة حتى بلغ الخمسين من عمره ، ورزقه الله ولدا أسماه نوحا ، وهو في السادسة والخمسين ، ولنوح شقيقتان هما كوشه فيج ، وقادرخان.
فارق السيد أنتشوق الحياة في الخامس من شهر نيسان ســــنة ( 1921 ) . عمل كي يجعل لغتنا المحكية لغة مكتوبة ، ومقروءة ، احتوى الكتاب الذي ألفه على العديد من القصائد الشعرية التي كتبها الشاعر من مثل : أنشودة رثاء ، وشكوى شركسية ، فاجعة قومية ، يا أيها الشراكسة البؤساء ، والحمقى ، وغيرها . يقول السيد نوح غش : إن قصائد الحاج بتش أنتشوق لاذعة ، ولاسعة في صراحتها ، وجرأتها.
وهناك أقوال أصبحت أمثال تجري على ألسنة الناس في قرية أسقلاي ، وغيرها من القرى الشركسية ، من مثل : غَجوانه يلحن الأغنية ، و الحاج بتش يزينها ، ويحليها ، وفي اللغة الأديغي : ) , хьаджыбэч сэуатэр хелъхьажьы (гъэжъуанэ орэдыр еусы وحول ذلك يكتب الكاتب ، والمفكر الشركسي أبوبكر شحلاخو : إن إبراهيم تسي قد كتب ما قاله تسغو تيتوتشج في الثامن والعشرين من شهر نيسان سنة ( 1935) الخبر المتعلق بمثل أغنية غجوانه.
يقول الدكتور ذو القرين بلغوج :لقد ترك لنا الحاج بتش الكثير ، وفيها أشياء غير قليلة سارة ، ومفرحة ، وهو ليس لأهالي أسقلاي وحسب ، وإنما هو لجميع الشراكسة ، وهو الوجه النير ، والمشرق ، والسار لكافة الأديغيين ، وهو الحامل ، والرافع للعلم الشركسي ، ولم ، ولن ينساه شعبنا الشركسي أبدا ، وهو ما أضاء كل المناطق التي يتواجد ، ويعيش فيها أبناء شعبنا الشركسي.
يقول شحلاخو أبو : كان سلاحه الإنصاف ، والعدل ، و طريق الحق مبتغاه لا يحيد عنه أبدا ، وكان في قصائده ، وكتاباته يدين المتهاونين في عملهم ، ويذم كل من يريد أن يعيش على حساب الآخرين ، ويشيد بكل من يأكل من عرق جبينه ، وما جنته أياديه ، ومن عرفوا بإنسانيتهم ، وكرمهم ، ومثلهم ، وأخلاقهم الكريمه ، وعلى هذا المبدأ كان يقوم توجهه ، ومنحاه في أعماله الإبداعية.
يكتــب أوفتشينّيكوف : لايعــرف ــ وبشكل دقيق ــ المـكانالذي دفن فيه مبدع الحروف الشركسية الحاج بتش أنتشوق ، ويبدو أن ذلك هو الأفضل ، لأن إنسانا كهذا يجب أن يجد الراحة والهدوء في قلوب الناس.
ـــ الكاتبة الصحفية : سورة أنتشوق حاملة شهادة الماجيستير في العلوم اللغوية ، والعاملة في قسم الدراست اللغوية بمعهد الجمهورية للعلوم ، والدراسات اللغوية ، والإنسانية.
ــ الترجمة إلى العربية : ماهر غونجوق.
اديغة ماق - صوت الشراكسة