المماليك الشراكسه - المؤرخ الشركسي سمير خوتقو


من كتاب المماليك الشراكسة للمؤرخ الشركسي سمير خوتقو

ترجمة : شيرين حتقواي

من احد اهم احداث القرون الوسطى هو وجود الدولة الشركسية في مصر وسوريا في فترة السنين 1257-1517. 

جاء هذا في وصف جميع المصادر التاريخيه عن السلطنه والسلاطين الشراكسه .

جاءت هذه السلطنة لفترة طويلة نتيجه للحروب الكثيره التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في القرن الثاني عشر - النصف الأول من القرن الثالث عشر.

الدول الكبرى من منطقة "الهلال الخصيب"كما كان يسميها الجغرافيين العرب .. هي مصر وسوريا وهي الدول الأكثر تقدما من الناحية الاقتصادية. 

كانت هذه الدول تشرف على طرق التجارة الرئيسية الى الهند وإيران وغيرها من البلدان الآسيوية في أوروبا . 
ابتداء من عام 1099 

كانت سوريا ومصر هدف ما يسمى الصليبيين - الفرسان الغربيين . 

كان كل ساحل البحر الأبيض المتوسط من سوريا واراضي لبنان الحديث وإسرائيل وفلسطين وأجزاء من الأردن احتلت من قبل الصليبيين .. و في ذلك لعب النورمانديين الدور المهم . 

من أجل حماية أنفسهم من هؤلاء الفاتحين الرهيبين لجأ حكام مصر الخلفاء الفاطميين وحكام سوريا و السلاطين السلاجقه .. لخدمات المرتزقة من اصول شركسية وتركيه . مثل الأمراء الاتابك (القادة) .. لكن الشركس والاتراك تمكنوا من البلاد وحكموا هذه الدول ودافعوا عنها ضد الصليبيين . 

المرتزقة الشركس شكلوا وحدات النخبة العسكرية للجيش المصري وخصوصا سلاح الفرسان الثقيل .. والتي تزايدت في عصر السلاطين الايوبيين في القاهره 1171-1249 . كانت سلالة الايوبيين من أصل كردي .. وكان العمود الفقري لجيشها الأكراد والشركس . 

في عام 1187 قاد السلطان صلاح الدين الايوبي الجيش المصري وتوجه بجيشه الى بلدة حطين لملاقاة الجيوش الصليبيه .. في هذه المعركة العظيمة لعب الفرسان الشراكسه دورا بارزا .. بقيادة الأمير فخر الدين الشركسي . 

بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي لعب هذا الأمير الشركسي " فخر الدين " دورا قويا في القاهرة ودمشق .. كما تمتع بالدعم غير المشروط من الجيش . 

في 1199 ووفقا للمؤرخ رشيد الدين .. قام فخر الدين الشركسي بانقلاب حكومي .. وقام بتغيير السلطان الايوبي باخر "كان تلميذه ".

في 1230 توالت الموجات الخوارزميه على الحدود المصرية السورية
"سلطنة الأيوبيين" تلاها العدوان المنغولي وهنا ازداد دور الشركس كمدافعين عن الإسلام .

وتزايد اكثر في عام 1250 بقيام انقلاب آخر حيث وضع في السلطة الامير ايبك التركماني .. ثم الاطاحه به في عام 1257 . 

يأتي بعدها إلى السلطة السلاطين الشراكسه .. 

ولفتره تاريخيه طويله جدا تصل إلى 1517 .

في 1291 طرد السلاطين الشراكسه الصليبيين من الشرق الأوسط . 

خلال النصف الثاني من القرن الثالث عشر - بداية القرن الرابع عشر 
بدأ القتال مع المغول . 

في 1260 بالقرب من بلدة عين جالوت في فلسطين يلحق الجيش الشركسي بقيادة السلطان قطز هزيمة ساحقة على المغول بقيادة كتبغا . 

في 1281 غزو جديد من الجيش المغولي في عهد السلطان قلاوون وبدعم من الصليبيين و أوامر من توتوني .. فرسان المعبد والأسبتارية .. وتعزيز من القوات الأرمينية والجورجية بقيادة القائد العسكري الماهر منغ-تيمور المنحدر من عائلة جنكيز خان .. 

كان قائد الحرس قلاوون .. وأمير المئه "اوزدمير الحاج" الذي قتل منغ-تيمور خلال هذه المعركة .. ويحقق الشركس انتصارا اخر . 

في عام 1303 كسر الشركس جيش المغول بقيادة الإمبراطور قازان خان في المعركة صفر جنوب دمشق ... 

لم يجرؤ الجيش المنغولي على غزو سوريا بعدها .

في عام 1382 يتولى السلطات في القاهرة الامير برقوق بن انس الشركسي الملقب بالمملوك " الراعي " 

بالمقارنة مع معظم الحكام السابقين كان برقوق مختلفا .. كان يتميز بحس قومي عالي جدا فخلال فترة حكمه "توفي في 1399" تولى الشركس المناصب الإدارية العليا ليس فقط في الجيش والدولة وانما في كل صغيره وكبيره . 

أثارت سياسة برقوق الغضب بين السكان المحليين وبين النخب العسكرية الغير شركسية الاصل مثل الاكراد والقيبشاق والتركمان .. لكن برقوق تمكن من قمع كل أعمال الشغب .. وكان منافسه الرئيسي فقط الفاتح الأجنبي تيمورلنك الشهير .

اشتهر برقوق بحقيقة أنه قتل سفراء تيمورلنك. ولذلك ولفترة طويلة في الشمال الشرقي من سوريا كانت تقع مناوشات كثيره بين الشركس وقوات تيمورلنك على الحدود. 

كان تيمورلنك يكره برقوق جدا .. ولكن لم تجرؤ قواته ابدا التحرك ضد دكتاتور القاهرة " برقوق " .

في القرن الخامس عشر وفي تاريخ السلطنه الشركسية شهدت البلاد ازدهار كبير في الثقافة. ظهر العديد من المعالم والنصب المعمارية والتي معظمها لا زالت قائمه حتى يومنا هذا. 

الشراكسة في مصر استمروا في نشاطهم في المجال العسكري والسياسي فعلى سبيل المثال في عام 1426 غزا الأسطول الشركسي تحت قيادة الأمير إينال جزيرة قبرص وفي إقليمها هزمت القوات الشركسية الجيش الصليبي الأخير بقيادة الملك جان دي لوزينيان . 

في 1485-1491 هزم الشركس الجيش العثماني ثلاث مرات على أراضي تركيا الحديثة .

في 1496 بعد وفاة السلطان " قايت " في مصر اندلعت بين الجماعات الشركسية المختلفة حرب دموية على السلطة. استمرت هذه النزاعات .. كانت بينها فترات هدوء قصيره جدا .. حتى 1501. 

الأمراء الشركس في نزاع عنيف على حب السلطة .. و البلاد تخضع لحاله من الفوضى الشديده .. تراجعت الزراعة والتجارة .. وعمت الفوضى العسكريه . 

استقرت الاوضاع الى حد ما في فترة حكم السلطان قانشاو الغوري ابن بيبرد 1501-1516 . 

كانت السلطنه الشركسية لا زالت تبدو للأوروبيين والعثمانيين قوة عسكرية قوية ففي عهد السلطان قانشاو الغوري زار عددا كبيرا من سفراء السفارات الأجنبية القاهره .. من فرنسا واسبانيا والبرتغال وجنوة والبندقيةو تركياو إيران وجورجيا وغيرها .

ولكن اتضح أن عامل الأمان في السلطنه الشركسية قد استنفذ .. وكان السكان المحليين ومعظمهم من العرب قد كرهوا الشركس كمغتصبين للسلطة
و"كمثل سئ للمسلمين " .. وانتظر العرب الغزو العثماني لنجاتهم من قرون من الاستبداد . 

وفي 1516-1517 وقعت الحرب العثمانية-الشركسية الثانيه والتي ظهر فيها الشركس فقط . بسبب خيانة الحاكم السوري خاير بيك محافظ حلب وجانبيردي الغزالي محافظ دمشق .. جيش السلطان قانصوه الغوري تعرض لهزيمة ساحقة من السلطان العثماني سليم الاول في مرج دابق 1516. 

كان أحد الأسباب الهزيمه الرئيسية في مرج دابق هو الأسلحة النارية والمدافع التي تسلح بها الجيش العثماني .. 

بينما اعتبر الفرسان الشراكسه ذلك " سلاح الضعفاء "
"لا احد من الشركس " كما كتب شاهد عيان للمعركة "ابن سنبل" مؤلف كتب 
" فتح مصر " قتل بالسيف أو بالرمح .. جميعهم قتلوا بالرصاص والقذائف ".

انتخب السلطان طومانباي ابن شقيق السلطان قانشاو .. وقاد عدة معارك ناجحة ضد العثمانيين ولكنه أعدم في 1517 في القاهرة.

ومع ذلك .. فإن تاريخ الوجود الشركسي في مصر .. لم ينتهي عند هذا الحد .. فقد خدم الأمراء الشراكسه البلاد حتى عام 1811 .

facebook.com