تبدو الفعاليات الشركسية شوكة في خاصرة روسيا، على الرغم من اعتدالها


الكاتب: فاليري دزوتساتي 

ترجمة: عادل بشقوي

يانا أميلينا، صحافية روسية معروفة في القوقاز وترأس النادي الجيوسياسي القوقازي ، انتقدت بشكل غير متوقع الناشطين الشركس لمحاولاتهم “إحياء” القضية الشركسية. وفقا لأميلينا، كانت القضيّة الشركسية بالفعل قد “انتهت” في وقت أولمبياد سوتشي لعام 2014، لكن في الآونة الأخيرة، فإن البعض في المملكة المتحدة وجورجيا وتركيا حاولوا إحياء الحركة الشركسية. سخرت المتخصّصة من يوم العلم الشركسي، الذي يحتفل به الشركس في نهاية أبريل/نيسان، في محاولة لتشويه الحدث واعتباره عديم الاهمية. استخدم المختصون الروس أمثال أميلينا التهديدات بشكل متزايد لإقناع الناشطين الشركس على التخلي عن محاولاتهم للدفاع عن مصالحهم. ومرة أخرى، حذرت أميلينا أن الشركس لا ينبغي أن يعتمدوا على المملكة المتحدة وتركيا كحلفاء، لأنها قامت باستخدامهم في السابق في “حرب عبثية ضد روسيا،” وتخلت عنهم في نهاية المطاف (Rusplt.ru, May 4).

لقد حاول النشطاء الشركس جذب انتباه العالم إلى محنة شعبهم في السنوات الماضية. استخدمت الإمبراطورية الروسية القوة العسكرية والمجاعة والمرض لطرد غالبية السكان الشركس من وطنهم في شمال القوقاز في القرن التاسع عشر. انتهى حوالي 90 في المئة من السكان الشركس في نهاية المطاف خارج وطنهم. ومع ذلك، فقد رفضت الحكومة الروسية الاعتراف بالتأثير السلبي على الأمة الشركسية أو التخفيف من آثاره. شن العديد من الشركس حملة ضد أولمبياد سوتشي، بحجّة أن سوتشي كانت “أرض الإبادة الجماعية.” لكن رفضت روسيا الاعتراف بالإحتلال والتطهير العرقي بحق الشركس على ساحل البحر الأسود على أنه “إبادة جماعية.” لم تقدم السلطات الروسية حتى حوافز كبيرة للموالين لموسكو من بين الشركس. لم تنقذ موسكو الشركس السوريين، الذي كان من شأنه أن يسمح لها الظهور بمظهر المنقذ وتستميل بعض الشركس.

وتقتبس أميلينا عن الناشط الشركس أندزور كابارد (Andzor Kabard)، الذي قال أن روسيا فشلت في استخدام إعادة الشركس السوريين، كأداة سياسية لتهدئة الشركس ولتحسين سمعتها. وفقا لكبارد، فإن روسيا بالتالي فقدت ذراعاً هاماً للتأثير على المجتمع الشركسي. وترفض أميلينا جهود كابارد لتنظيم الشركس في جميع أنحاء العالم عن طريق شبكة الإنترنت من خلال توزيع “جوازات سفر شركسية” إفتراضية وإجراء “تعداد” فيما بينهم. وفقا لأميلينا رفض زعماء الشركس الفكرة باعتبارها افتراضية وولدت ميتة.” لاحظت المختصّة أيضاً الارتفاع الأخير في أنشطة المركز الثقافي الشركسي في تبليسي، في جورجيا. رئيس هذا المركز، هو ميراب شوخوا (Merab Chukhua)، يقال انّهُ تلقّى دعماً من الشركس في تركيا ومن أوساط أكاديمية سويديّة (Rusplt.ru, May 4).

ايراكلي غوغوبريدزى ، وهو كاتب موالٍ لروسيا ويطرح نفسه باعتبار أنّهُ جورجياً، يحذر من أنّهُ يجب على جورجيا أن تتخلى عن جهودها لدعم الشركس أو مواجهة رد فعل عنيف من روسيا. ويدّعي غوغوبريدزى أن قوى أجنبية ترسل “الآلاف من الدولارات” من أجل “مزيد من التحريض على الكراهية العرقية، ومن أجل إطلاق العنان لحرب جديدة بين الأشقاء” (Worldandwe.com, May 5).

وتأتي التهجمات اللفظية الجديدة على الشركس في وقت يبدو فيه الناشطين الشّركس متحفظين إلى حد ما بشأن مزيد من النشاطات، على الرغم من أن يوم العلم الشركسي و يوم الذكرى يصادفان في أبريل/نيسان ومايو/أيار. وفي الوقت نفسه، لم تقتصر الإعتداءات على الشركس بالتهجمات اللفظيه. ناشط شركسي معروف، هو عدنان خواد، حكم عليه بالسجن لمدة 15 يوماً لقيامه بقيادة سيارته دون رخصة. وبالإضافة إلى ذلك، اتهمته شرطة السّير، وهم الذين اشتهروا في جميع أنحاء روسيا بتهمة الفساد، بمحاولة رشوة ضباط شرطة السّير. ومن المعروف عن خواد قام بإجراء احتجاجات متعددة تطالب روسيا بإعادة الشركس من سوريا التي مزقتها الحرب (Natpressru.info, May 6).

في مارس/آذار، خرب مجهولون نصبا تذكاريا شركسياً في نالتشيك، عاصمة قباردينو-بلكاريا، مكرساً بشكل خاص لذكرى أولئك الذين لقوا حتفهم أثناء الغزو الروسي للأراضي الشركسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وناشط شركسي أخر، هو أستيمر شبزوخوف ، وجّه نداء رسميا إلى السلطات طالبا منها أن تحققق في الحادث. ومع ذلك، فإن الشرطة، الّتي تتعامل عادة مع مثل هذه التحقيقات، رفضت الطّلب (Natpressru.info, May 6).

يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك جزءا من حملة تشنها السلطات الروسية، لكن سلسلة الحوادث والاتهامات من قبل المختصين الروس ضد الناشطين الشركس يبيّن أن موسكو تشعر بالقلق ليس فقط من الشركس الذين يتخذون إجراءات ضد الحكومة ولكن أيضا من الشركس الذين لديهم ببساطة أيامهم الخاصة للذكرى ويودون تعزيز هويتهم. وقالت الحكومة الروسية على أعلى مستوى مرات عديدة أنها عازمة على محاربة “تزوير التاريخ.” موسكو تعتبر جميع تفسيرات التاريخ باستثناء تلك التي تمت الموافقة عليها رسميا بأنها “كاذبة.” والسرد الشّركسي الثّابت حول تدميرهم من قبل الإمبراطوريّة الرّوسيّة والنفي الذي تلى ذلك تحديا شاملاً للحكومة الروسية. أصبح الشركس إلى حد كبير على علم بتاريخهم وبالعلاقات المضطربة مع الروس، وموسكو تجد صعوبة في مكافحة ذلك.

والسلطات الروسية بالتالي قلقة لأنها لا تستطيع إجبار الشركس على نسيان ما تعلّموه. القضيّة الشركسية تقوض الرّواية “الصحيحة” للتاريخ الروسي، الذي يصور عادة الفتوحات الإقليمية من قبل الإمبراطورية الروسية وبأنها تحمد عليها من قبل الناس الذين كان قد تم إخضاعهم. في كثير من الحالات، فإن المؤرخين الروس ينفون تماماً أن هذا كان إحتلالاً، في اشارة الى المناطق التي تم الإستيلاء عليها وبأنها “انضمت طوعاً إلى روسيا.” الشركس هم الآن على علم بأنه كان قد تم إخضاعهم وتدميرهم من قبل روسيا. هذا الوعي الذاتي يهم الإختصاصيّين الروس ويبين حدود دعاية الدولة الروسية.

المصدر: