لقاء صحفي مع الكاتب الشركسي يونس تشوايقو

يتوجب علينا أن نهتم بأدبنا ،
ونستمر في العطاء
قبل أيام قلائل زار صحيفة " الأديغة ماق " الأديب الشركسي الكبير ، والكاتب المعاصر يونس تشوايَقو الذي فاز بجائزتين في الأدب ، وجائزة جمهورية الأديغي ، واتحاد كتاب روسيا الإتحادية ، وجائزة صحيفة رومان
. خدم الكاتب أدبنا القومي ثلاثا وخمسين سنة ، وامتلك خلالها براعة ، ومهارة فن الكتابة النثرية ، واستطاع من خلال كتبه ، ومؤلفاته القصصية ، والروائية أن يحقق شهرة واسعة ، ويظفر بإعجاب ، وتقدير القراء . لمعرفة آرائه ، ونظراته في العلاقة مابين الأديب ، والعصر ، والمكانة التي يوليها للأدب ، وفن الكتابة ، وتطلعاته ، ورؤيته أجرت صحيفتنا معه هذا اللقاء ، ووجهت إليه الأسئلة التالية .

ـ اعتبرت سنة ( 2015 ) عام الأدب بروسيا الإتحادية . ما أهمية ذلك ؟ والمعاني التي تعطيها لذلك القرار ؟ 

ــ أنا شخصيا سعيد جدا بذلك ، وهذا يسعد القلب ، ويبهج الصدر ، ولم تعط مثل هذه الأهمية للأدب من قبل  ، ويمكن أن يسهم هذا القرار في أن يسترد الأدب أهميته ، ومكانته التي يستحقها في الحياة . إنْ ظل الأدب محور اهتمامنا طوال هذا العام فإن أفكار القراء ، وبصورة أكبر الكتاب ، والأدباء يمكن أن تشحذ  ، وتنمو ، وتزهر .

ــ ما القيمة التي تعطيها للأدب الروسي ؟ وما هي مكانة الآداب  القومية الأخرى ، وأدبنا القومي الشركسي في الأدب الروسي ؟ .

ــ للأدب الروسي جذور تاريخية عميقة ، وقوية ، وهذا غير خاف على أحد ، وأنا شخصيا دخلت عالم الأدب من أبواب الأدب الروسي ، ومنه ابتدأت حياتي الأدبية ، وهو الذي أيقظ موهبتي ، ونبهها ، وخاصة الأدب الروسي الكلاسيكي ، وأنا ــ وحتى اليوم ــ لا أمل من قراءة الأعمال الخالدة للكاتب الروسي ليف تولستوي ، وهذا ما يمكنني أن أقوله عن الآداب القومية الأخرى ، فكل امرىء يتطلع إلى الآداب الإنسانية الشامخة ، وينهل منها إلا أن ذلك لا يعني أبدا أن يقدم صورة عنها ، وتكون مرآة له إذ يتوجب على كل أدب أن يحافظ على خصائصه ، ومقوماته ، وشخصيته  ، وهويته الذاتية ، ويتوجب على  كل كاتب ، أو أديب أن يغني أدبه برؤيته ، وبصمات أصابعة ، وخطوط ريشة  قلمه ، ولا أنفي أبدا أمر التفاعل الإيجابي ما بين مختلف الآداب ، فالأدب الروسي وكما هو يؤثر يتأثر أيضا ، فحاله مع الآداب القومية الأخرى كحال بذور زهرة عباد الشمس التي تحيط ببذورها أوراق صغيرة صفراء ، وأنا أؤيد تفاعل ، وتلاقي الآداب ، والثقافات ، وتفاهم الشعوب ، وتلاقيها ، وحياتها بسلام . أليس في ذلك كل الخير والنفع ، والفائدة ؟ !

ــ إن  نظرت إلى أدبنا الشركسي بعمق ، وتمعن ما الذي يعجبك ، أو  يثير قلقك فيه ؟ وماهي معالم مستقبله ، وما الخطوات التي يجب القيام بها لإغنائه ، وازدهاره ؟

ــ إن أدبنا القومي رغم شبابه ، وفتوته ، فقد قطع شوطا طويلا ، وقدم أعمالا أدبية قيمة ، وجيدة . لكن يجب أن لا نتوقف عندها أبدا ، وعلينا أن نواصل العمل ، والعطاء ، ونسخركل قوانا ، وطاقاتنا لإغنائه ، ويجب أن لا نغفل ، أو نغمض أعيننا عن ناشئتنا ، وأبنائنا ، ونحثهم على العمل ، والعطاء ، فمن طاقاتهم ، ومواهبهم ستولد أفكار ، ورؤى جديدة ، وأساليب فريدة ، وستفتح نوافذ ابداعية عجيبة .

ــ ماهي المعاني ، والقيم التي تراها جديرة باهتمام أي كاتب ، أو أديب ؟ وهل نجح كتابنا في تناولها ، وتلبيتها ؟

ــ الأدب كالمرآة يعكس إبداع كل كاتب ، ويظهر رؤيته للحياة ، ويتوجب على كل كاتب أن يتحلى بالصدق والجمال ، ولا يكون العمل الأدبي متميزا  إن لم يكن نموذجا يمكن أن يحتذى ، أو أن يكون  مثلا ، أو قدوة حسنة للآخرين ، تسمو بهم ، وتتطلع إليه نفوسهم . إن معايير الخير ، والشر ظاهرة ، وغير خافية ومهمة الأدب في رأيي ابراز قيم الخير وتأييدها ، ونبذ الشر وبكل صدق ، وجرأة ، وإن كان الأدب مرآة للحياة ، فعلى الأديب أن يحافظ على نقاء ، وصفاء مرآته ، ونظافتها  لتعكس الوقائع ، والأحداث ، وكل مافي الحياة بكل أمانة ، وصدق ، ودقة ، والكاتب الذي يعمل بدأب ليل نهار ، ودون ملل ، أوكلل يصل في رأيي إلى كل ما يبغي ، ويريد ، وقد تحقق لكتبنا ذلك.

ــ كيف كان العام الماضي بالنسبة إليك ؟ نود أن تطلعنا على أهم أعمالك فيه .

ــ كانت السنة الماضية حافلة بالعمل ، والنشاط الدائم ، وأنا مقتنع بما قمت به ، فهو يتناسب مع صحتي ، وعمري .  لقد كتبت عددا من الحكايات ، والقصص ، ونشرتها على صفحات الجرائد ، وعملت في مجالات أخرى ، فقد أصبح  من عادتي إعادة قراءة ماقمت بإصداره ، والنظر فيه من جديد ، وأنا بدأت أنشر كتبي ، ومؤلفاتي منذ سنة ( 1961 ) . أي  منذ أكثر من نصف قرن ، أتمتع بجمال  ، وحسن حدائق الأدب الغناء ، ورياضها الجميلة والساحرة .

ــ ماهو البطل أو الشخصية  التي تنال اعجابك ؟ وبم تفكر ؟ وماذا تعد ، وتحضر ؟

ــ يتركز جل إعجابي بالتاريخ ، والقوى الفاعلة فيه , في الوقت الحاضر أشتغل في الكتاب الثالث ، والذي أسميته ( الحجارة المدفونة في الأرض)  من الثلاثية التي بدأت في كتابتها سنة    ( 1991 ) . أسميت الكتاب الأول ( رمز العائلة ) ، وأطلقت على الثاني اسم (أخذ الثأر ) . وقد تناولت فيه الأحداث ، والأوضاع  التي كانت سائدة في نهاية الحرب القفقاسية ، وماجرى للشعب الشركسي الذي انفرط عقده ، وانهارت قواه ، وتشرد ، وتشتت في بقاع الأرض ، وقيام الثورة الإشتراكية ، وتثبيت قواعد ، ودعائم النظام الجديد ، وتشكيل كوادره ، وقواعده  ، ووقوع الحرب الوطنية ، والعلاقات الإجتماعية ، والأسرية ، والطباع ، والأخلاق الإنسانية ، وباختصار صورت كل جوانب الحياة التي أحاطت بشعبنا الشركسي في تلك المراحل الزمنية ، والتاريخية ، ودونت نظرته ، ورؤيته للحياة ،  وماعاناه ، ومالاقاه من صنوف ألوان العذاب .

ــ ما الذي لم تتناوله في كتاباتك ، وترغب في التطرق إليه ، ومعالجته ؟

ــ التاريخ هو مايجب أن يعرفه ، ويضطلع عليه كل إنسان في رأيي ، وخاصة الشبان ، والناشئة لأن ما يجري ، وما يحدث اليوم مرتبط بما وقع بالأمس ، فمن أجل فهم الحاضر يجب معرفة الماضي .  ما يقع اليوم ، ويدور في العالم من أحداث ، ووقائع لا ترضيني في شيء .

ــ ولم  لا ترضيك ؟ ! .

ــ إن أحداث اليوم ، ووقائعه متداخلة  ، وبشكل عجيب حتى أنه يصعب فهمها ، أو تحليلها في كثير من الأحيان ، ويتوجب أن تتوجه إليها بكل قواك جسديا ، وروحيا لتستطيع فهمها ، وسبر أغوارها ، وقد لا تتمكن أحيانا تحديد أسباب مشكلات كثيرة بدقة ، وقد استفحلت اليوم في حياتنا المعاصرة أمراض اجتماعية كثيرة  ، وانتشرت كالوباء بشكل واسع  كالرشوة ، ، والسرقة ، والظلم ، واختلال ميزان العدل ، والإدمان على المشروبات الكحولية ، والمخدرات ، والكذب ، والأنانية ، وحب الذات ، واللامبالاة بمصالح ، وشؤون الغير ، وقد عزمت على تصوير كل ذلك ، وكتابته ، ومعالجته ، وأحس أنني أتمتع بالقدرة ، والكفاءة على تحقيق ذلك .

ــ هل تقرأ الكتب الشركسية النثرية والشعرية ؟ ومَن مِن الكتاب ، والشعراء الذين تقرأ لهم ؟ .

ــ بالطبع . أنا أقرأ دائما لأني أعيش في جنان الأدب ، والشعر ، ومنذ أن دخلت عالمه أقرأ نتاج زملائي ، وأصدقائي من الكتاب ، والشعراء ، وقلبي مفتوح للجميع ، وهو مليء بحب الخير ، وتقديم العون ، وأقدس الصدق ، وألتزم به في حياتي ، وإن أحببتَ شيئا لا ترى إلا محاسنه . قصيدة حميد برتر "محبوبتي " قرأتها ، وأنا تلميذ في المدرسة ، ورغم مرور زمن طويل على قراءتها إلا أن أبياتها ، وسطورها الشعرية لصقت في شغاف قلبي ، وبقيت حية في ذاكرتي ، وكذلك حال قصيدة روسلان نهاي " أمي " ، وأفكار ، وصور الكاتبة سنيات قوطة في أعمالها ، وكتاباتها النثرية . إن أدبنا الشركسي يتحلى في مجمله ــ ولله الحمد ـ  بصفات الخير ، والحسن ، والجمال .

ــ ألا توحي فيما كل ما قلته أن أدبنا لا يخلو من بعض النواقص ، والسلبيات .

ــ بينت أن أدبنا طوال ثمانين عاما قد نما ، وتطور كثيرا ، وقدم أدباؤنا ، وكتابنا ، وشعراؤنا الكثير من الكتب ، والمؤلفات القيمة ، والثمينة التي صورت الكثير من جوانب ، ومعالم حياتنا إلا أنه لا يوجد عمل لا يخلو من بعض النقائص ، أوالسلبيات ، ولا يوجد عمل بلغ مستوى الكمال ، إلا أن كل إنسان لو قام بما يتوجب عليه ، وعمل في اختصاصه ، ومهنته يمكن أن يقدم أعمالا كبيرة ، وثمينة . لقد عملت  طوال حياتي بمهنتي ، وحرفتي ألا وهي الكتابة ، ولم أتدخل أبدا في شؤون أخرى كالسياسة أو غيرها ، وتركتها لأربابها ، وأصحابها .

ــ  بماذا   تريد أن تدعو للكتاب ، والشعراء ، والقراء مع بداية سنة (2015 ) ؟ .

ــ أدعو لهم أن يديم الله عليهم الصحة ، والعافية ، وييسر لهم تحقيق جميع أمنياتهم ، وأرجو أن تبقى قلوبنا مفتوحة ، وعامرة بمشاعر الود ، والحب الدافىء ، وأن يواصل أدبنا نموه ، وازدهاره ، وتتحسن ظروف حياتنا .

ــ بارك الله فيكم أخي يونس ، ونحن نشكركم  لأنكم  قدمتم لنا جزءا من وقتكم الثمين ، وأتحتم لنا فرصة اللقاء بكم .

 ــ الكاتبة الصحفية : نوريت مامروقـو .

ــ الــترجـــــمة : محـمد ماهــر إســـلام .

صوت الشراكسة