رمضان خون، وهو ناشط شركسي من منطقة كراسنودار الروسية، نشر التماسا غير عادي على موقع (Change.org) على الانترنت. ويدعو في الإلتماس الحكومة الروسية، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإدارة مقاطعة كراسنودار لمنح حقوق السكان الأصليين إلى الشركس، الذين يقيمون على أراضي هذه المنطقة الروسية الجنوبية-الغربية.
وينص الإلتماس: “معظم المدن والأنهار [في منطقة كراسنودار] تحمل أسماءً شركسية. لقرون عديدة، عاش الشركس هنا؛ ولا تزال إدارة إقليم كراسنودار لم تعترف بشعبي باعتبارهم السكان الأصليين للمنطقة. وهذا يعني الكثير لشعبي ولتاريخ أجدادنا. نحن لا تحتاج إلى أي شيء آخر غير الاعتراف بهذه الحقيقة. وإن حصل ذلك، فإن شعبي سوف يكون قادراً على فتح صفحة جديدة من التاريخ ومع الامتنان بالذهاب أبعد من ذلك إلى الأمام! إن أفراد شعبي يحبون بلدهم [روسيا] ويدافعون عن شرفها في مجال الرياضة، وفي المجال العسكري. ولذلك إجعلوا بلدنا العظيم يلاقي شعبي في منتصف الطريق ويعترف بهذه الحقيقة لأن العدالة يجب أن تسود!” (Change.org, accessed September 20).
كراسنودار حاليا منطقة تغلب فيها العرقية الروسية في جنوب روسيا التي يبلغ عدد سكانها 5.5 مليون نسمة، ومنطقة تبلغ مساحتها حوالي 29000 ميل مربع. تكوّن العرقية الشركسية اليوم أقل من نصف واحد في المئة من عدد السكان في منطقة كراسنودار. ومع ذلك، فإنّهُ حتى بداية القرن التاسع عشر، شغل الشركس كامل أراضي كراسنودار الحديثة وسيطروا على ساحل البحر الأسود على نحو فعّال. وبعد تقدم الجيوش الروسية، تراجع الشركس إلى الجبال. وفي نهاية المطاف، أُجْبِرَ الغالبية العظمى منهم على مغادرة وطنهم والفرار إلى الإمبراطورية العثمانية. وحوالي تسعين في المئة من الشركس في ذلك الوقت إما أنهم قضوا جوعاً، أو توفوا من الأوبئة أو تم ترحيلهم إلى أراضٍ أجنبية من قبل الحكومة الروسية (Natpressru.info.info, July 10, 2010).
أهملت موسكو الاعتراف بأن الحكومة الروسية أهلكت في القرن التاسع عشر السكان الشركس على طول ساحل البحر الأسود. طالب النشطاء الشركس موسكو بشكل متكرر الاعتراف “بالابادة الجماعية” الشركسية في السنوات الأخيرة ولكنهم لم يحققوا إلا القليل فيما يتعلق الأمر بالاعتراف بمظالمهم من قبل روسيا. وعلى وجه الخصوص، يقول النشطاء الشركس أن السلطات في منطقة كراسنودار تتجاهل عمدا مناشداتهم الاعتراف بهم على أنّهم السكان الأصليين للمنطقة. ويقال أن السبب الرئيسي لرفض شكاوى الشركس هو أن “الشركس يلعبون بطاقة القومية”. ويقول رسلان غفاشيف (Ruslan Gvashev) عميد مجلس الحكماء الشركسي في منطقة كراسنودار، “إنهم يهابوننا. أنا لا أفهم لماذا يخافون منا. نحن نريد أن نكون مواطنين متساوي الحقوق في حين نبقى شراكسة. وان يتم إدراجنا في قانون منطقة كراسنودار”. ووفقا لغفاشيف، فإن العديد من القادة في سلطات كراسنودار وعدوا بالاعتراف بان الشركس هم السكان الأصليين للمنطقة، لكن هذه الوعود لم تتحقق مطلقاً. وعلاوة على ذلك، حتى كتب التاريخ المدرسية في الإقليم تتجاهل أن الشركس هم السكان الأصليين للمنطقة. المفارقة هي أن الكثير من الناس في منطقة كراسنودار يعترفون بالشركس بشكل غير رسمي باعتبارهم السكان الأصليين للمنطقة، ولكن يبدو أن سياسة الحكومة تقصد عمداً استبعادهم من التاريخ الإقليمي (Onkavkaz.com, September 14).
على ما يبدو، يخشى المسؤولون الإقليميون والسلطات الروسية في موسكو ان الاعتراف بالشركس باعتبارهم السكان الأصليين في المنطقة سيزيد إلى حد ما من صدقيّة مطلباتهم بالحصول على الاعتراف “بالإبادة الجماعية” الشركسية. وسوف يشير ذلك أيضا إلى اتصال أوثق بين مقاطعة كراسنودار والجمهوريات الإثنية في شمال القوقاز، وهو الأمر الذي تريد كل من السلطات في موسكو وكراسنودار الى تجنبه. ومع ذلك، فإن رفض الاعتراف أيضا بحقوق الشركس الأصلية سيزيد من استيائهم. وحاليا، تدّعي سلطات كراسنودار أن القوزاق هم “السكان الأصليين” في المنطقة، على الرغم من أن تاريخهم في كراسنودار بدأ في القرن التاسع عشر، وأن كل شيء قبل ذلك هو في “طي النسيان”.
وعلى الرغم من أنّهُ حتى الآن كان الناشطين الشركس ناجحين إلى حد كبير في الحصول على قبول أكثر لمطالبهم من قبل موسكو، إلا أنّهم حققوا بالتأكيد وعيا ذاتيا أفضل بكثير بين الشركس أنفسهم. فلاديمير بوتين نفسه واصل عن كثب من أجل إيجاد “كتب تاريخ موحدة”، والذي من شأنه بالتأكيد وبشكل مريح “التغاضي”عن الشركس وصراعهم مع الإمبراطورية الروسية، جنبا إلى جنب مع حقائق مزعجة أخرى (Slon.ru, May 5, 2015). لكن نظرا لارتفاع الوعي الوطني للشعب الشركسي، فإنّهُ من غير المرجح في نظر هذه المجموعة، أن يكتب النجاح لمثل هذه المحاولات لإعادة كتابة التاريخ.
شيئا فشيئا، يكتشف الشركس العصريين تاريخهم، الذي جرّدتهم السلطات الروسية والسوفياتية في السابق وبعناية من كل مناسباتهم التاريخية الهامّة التي يُفْخَرُ بِها. ومن بين هذه الأحداث فإن الناشطين الشركس قد أشاروا مؤخرا إلى المادة السادسة من معاهدة بلغراد بين الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية العثمانية، والموقّعة في 18 سبتمبر/أيلول 1739. ويقول النشطاء أنّهُ وفقا لهذه المادة من المعاهدة، كان ينبغي أن تُمنح الأراضي الشركسية في ذلك الوقت الإستقلال، حيث أنّهُ كانت قد تحرّرت رسميا من أي التزامات سواء تجاه العثمانيين أو تجاه الروس (Facebook.com, September 18).
ديناميكيات الحركة الشركسية اليوم ورد فعل الحكومة الروسية عليها تشير إلى أن السلطات في موسكو لن تهدأ لسلبية الشركس. بدلا من ذلك، لقد عرفت هذه الأقلية العرقية أن هناك حاجة إلى النشاط والعمل الجماعي من أجل تحسين مواقع التفاوض في مواجهة موسكو. حتى الآن، تمكن الشركس من تقويم أنشطتهم وذلك للضغط من أجل رفض فقدان الذاكرة التاريخية ولكن من دون تكبد أي أعمال انتقامية عنيفة من قبل الحكومة الروسية. ويبقى أن نرى فيما إذا أدّى الإحباط المتزايد في نهاية المطاف إلى إخراج هذه العلاقة عن التوازن.
الكاتب: فاليري دزوتساتي
ترجمة: عادل بشقوي