الصورة: نشطاء شراكسة في تركيا
يبدو أن العلاقات الروسية- التركية مستمرة في التدهور بعد اسقاط طائرة حربية روسية الشهر الماضي على الحدود بين تركيا وسوريا. في اجتماع مع مسؤولين في وزارة الدفاع الروسية يوم 11 ديسمبر/كانون الأول، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من “استفزازات” ضد الجيش الروسي في سوريا، وأشار إلى أن القوات العسكرية الروسية ستكثف أنشطتها، ولن تتردد في تحدي غيرها من الجهات الفاعلة في المنطقة. وقال، “أنا أوجه لكم الأوامر بالتصرف بغاية القسوة”. أية أهداف تهدد الجيش الروسي أو بنيتنا التحتية [في سوريا] يجب أن يتم تدميرها على الفور.” وأكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو (Sergei Shoigu) بأن قوة الترسانة النووية الروسية والتصميم على المزيد من تطويرها (Kremlin.ru, December 11). في الوقت نفسه، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو (Mevlüt Çavuşoğlu) ان صبر تركيا آخذ في النفاذ (Gazeta.ru, December 11)، حيث وقع حادث يتعلق بسفينة عسكرية روسية وسفينة صيد مدنية تركية في بحر ايجه (Gazeta.ru, December 13).
على الرغم من أن العديد من الخبراء يقولون أن اشتباكا عسكريا فعليا بين روسيا وتركيا أمر غير محتمل الحدوث، إلا أن من المرجح أن يستمر الصراع بين البلدين لبعض الوقت عبر وسائل أخرى. وكانت روسيا قد فرضت حتى الآن عقوبات اقتصادية على تركيا، وكذلك قطع الواردات التركية؛ وأعلنت موسكو أن المواطنين الأتراك سوف يحتاجون إلى تأشيرة لزيارة روسيا اعتبارا من الأول من شهر يناير/كانون الثاني 2016. والشركس هم من بين الضحايا الأقل تناولا في العلاقات المتوترة بين تركيا وروسيا. هناك عدة ملايين من أفراد الشتات الشركسي في تركيا. العديد من الشركس في تركيا وفي شمال القوقاز يريدون إقامة علاقات أوثق بين المجتمعين، لكن على اثر التصادم بين موسكو وأنقرة، فإن محاولاتهم المتواضعة لتحسين العلاقات قد تم إجهاضها.
جزء كبير من الشتات الشركسي في تركيا تأمل في حل القضايا الشركسية، مثل تعليم اللغة والعودة إلى الوطن، من خلال التعاون مع موسكو، وبالتالي حاولوا الحفاظ على علاقات ودية نسبيا مع السلطات الروسية. غير أن أحدث جولة من العقوبات، عملت على استعداء حتى المعتدلين من بين النشطاء الشراكسة في تركيا. ووفقا لمقال كتبه فهيم طاشتكين (Fehim Taştekin)، فإن إحياء الذكرى على نطاق واسع في عام 2014 بمرور 150 عاما على هزيمة الشركس من قبل روسيا وطردهم من وطنهم إلى الإمبراطورية العثمانية، حضّتْ على التحركات الروسية التي تهم مصلحتها، واجتمع السفير الروسي في تركيا اندريه كارلوف (Andrei Karlov) مع النشطاء الشركس في تركيا واعداً إيجاد حل لمشاكلهم. الشركس في تركيا أرادوا في المقام الأول تحسين إمكانية وصولهم إلى شمال القوقاز، بما في ذلك حق العودة إلى الوطن. ومع ذلك، فإن السلطات الروسية لم ترغب في الواقع صنع السلام مع الشركس، وإنما التلاعب بهم، وفي نهاية المطاف هزيمة الحركة الشركسية. الجمعية الشركسية العالمية (ICA)، والتي تم إنشاؤها أصلاً في وقت مبكر من أعوام الستعينيات من القرن الماضي،من قبل خدمات الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، أصبحت أداة للمسؤولين الروس للتلاعب بالشركس في تركيا وأماكن أخرى. في تركيا، تشاركت جماعة فيدراليّة الجمعيات القفقاسية (KAFFED) مع الجمعية الشركسية العالمية، لكنها تعرّضت للإنتقاد المتزايد لقيامها بذلك (Caucasreview.com, December 9).
بالإضافة إلى ذلك، فإن السلطات الروسية لم ترى من الضرورة بأن تعامل قادة (كافد) على نحو جيد وبشكل تفضيلي. عندما زار زعيم كافد ياشار أصلانكايا (Yasar Aslankaya) قباردينو – بلكاريا (Kabardino-Balkaria) في عام 2014، تم تعقّبهُ باستمرار من قبل عملاء خدمات الأمن الفيدرالي الروسي وتم تحذيره من أن السلطات قد تمنعه من زيارة شمال القوقاز مرة أخرى. ويمكن رؤية تفاصيل الصفقة غير المعلنة بين كافد وموسكو في البيان الساخط الذي زعم أن قيادة المنظمة قامت بتسليمه إلى السفير الروسي في تركيا: “لم تفشلوا فقط في الوفاء بوعودكم، لكن شعبنا الآن يواجه هذا التهديد والترهيب في [شمال] القوقاز. روسيا لا تتسامح مع أي انتقاد. وعندما نبقى صامتين، فإنا نستمر في فقدان قاعدة تأييدنا. إذا كنتم لن تريدون حل مشاكلنا، فسوف نأخذ مطالبنا إلى المنابر الدولية. حتى الطلاب الذين قمنا بإرسلهم إلى [شمال] القوقاز فإنهم يحصلون الآن على منح دراسية أقل. هذا لا يمكن أن يستمر. يجب على روسيا الاعتراف بالمأساة التاريخية للشركس وإزالة الحواجز التي تحول دون العودة إلى وطنهم” (Caucasreview.com, December 9).
على ما يبدو، كانت طريقة واحدة تتبعها الحكومة الروسية لتهدئة النشطاء الشراكسة في تركيا هو شراءالثناء منهم من خلال السماح بعقد صفقات مربحة لبعض الأعمال. ومع ذلك، فإن حرب موسكو الاقتصادية الشاملة تقريبا ضد تركيا تعني أن الشركس الأتراك مستهدفون جنبا إلى جنب مع المواطنين الأتراك الآخرين. وهكذا، فقد تلقت الجماعات الشركسية في تركيا التي حاولت إيجاد لغة مشتركة مع موسكو، وربما لقيت معاملة تفضيلية منها، فقدان ما يبدو على أنهُ أي حافز للحفاظ على علاقات وثيقة مع الحكومة الروسية. وبعد رد فعل بوتين على إسقاط طائرة عسكرية روسية في تركيا، كانت جامعة أديغيا (University of Adygea) بين الجامعات الأُوَل في روسيا لأن تعلن انها علقت من جانب واحد علاقاتها مع نظيراتها التركية (Yuga.ru, November 27). مسؤولو الجامعة في قباردينو – بلكاريا طمأنوا طلابها الأتراك بأنه يمكنهم مواصلة دراستهم. ومع ذلك، فإنه من غير الواضح ما إذا سيكون هناك أي تعاون آخر بين الجامعة والجامعات التركية (Kbsu.ru, December 8). واستدعت روسيا معلمي اللغة الشركسية من تركيا، مشيرةً إلى أن العلاقات مع الشتات الشركسي هي من بين الأهداف ذات الأولوية (Natpressru.info, December 11).
التوترات بين روسيا وتركيا تؤثر سلبا على العلاقات الشركسية عبر الحدود. ومع ذلك، فإن في الوقت نفسه، جعل الصراع بين البلدين النشطاء الشركس أكثر واقعية حول النوايا الحقيقية لروسيا نحوهم.
الكاتب: فاليري دزوتسيف
ترجمة: عادل بشقوي
المصدر: