بول غوبل - ستاونتون، 22 أغسطس/آب
ترجمة: عادل بشقوي
كما يفكر الروس مليا بانقلاب أغسطس/آب 1991، يسأل كثير منهم أنفسهم: “لماذا لم تصبح الإصلاحات الديمقراطية لا رجعة فيها؟” وهل “ستشارك الفيدرالية الروسية القائمة حاليا الاتحاد السوفياتي مصيره؟” أوليغ بشينيشني (Oleg Pshenichny) يجري على موقع غراني (Grani) مقابلات مع ثلاثة من المفكرين الأكثر رصانة.
استنتاجات كل واحد منهم — المنشق السوفياتي السابق سيرغي كوفاليف (Sergey Kovalyev)، وضابط المخابرات (KGB) السابق فلاديمير ميرونينكو (Vladimir Mironenko)، والسياسي الديمقراطي السابق ألكسندر أوسوفتسوف (Aleksandr Osovtsov) — تبدي المرارة والتشاؤم حول الأخطاء التي حدثت في عام 1991، كل بطريقته الخاصة، حول المستقبل (grani.ru/Society/History/m.243716.html).
ويقول كوفاليف، الذي كان في عام 1990 رئيسا للجنة حقوق الإنسان في مجلس السوفيات الأعلى للجمهورية الروسية السوفيتية الاتحادية الاشتراكية (RSFSR)، ان في عام 1991، “الكثير منا، وأتذكر بوضوح رد فعل الراحلة لاريسا إيوسيفوفنا بوغوروز (Larisa Iosifovna Bogoroz)” حيث قالت “حسنا هذا كل شيء، سوف لن تكون هناك عودة إلى الماضي”. وذلك، كما يقول، كان “خطئا جماعيا”.
ويتابع: كما نرى الآن، “العودة إلى الماضي ممكن وذلك يجري أمام أعيننا”. والأسباب لذلك، يقول كوفاليف، ليس من الصعب أن تجدها: إنها تقيم في عدم رغبة السكان الحفاظ على الضغط على النخب، وفشل البلاد في إجراء التطهير بحيث أن أولئك الذين لديهم قيم وأساليب النظام السوفياتي لن يعودون.
في يناير/كانون الثاني من عام 1991، خرج ما يقرب من نصف مليون روسي الى الشوارع في موسكو احتجاجا على تصرفات الكرملين في ليتوانيا. و “كان رد فعل الموسكوفيين عاملا حاسما في تحرير دول البلطيق”. لكن بعد بضع سنوات، كان عدد الذين هم على استعداد للذهاب الى الشوارع للاحتجاج على حرب يلتسين الإجرامية ضد الشيشان أقل بكثير.
و“ماذا نرى الآن؟” يسأل كوفاليف. كانت هناك احتجاجات في نهاية عام 2011 وفي مايو/أيار 2012، لكن الأرقام كانت أقل من ذلك بكثير، وبحد أقصى بلغ 100،000؛ وأولئك الذين شاركوا تم على الفور “تسجيلهم على أنهم طابور خامس”. وكان هناك عدد أقل بكثير من الشجعان يكفي للاحتجاج على ما تقوم به موسكو في أوكرانيا.
والأسباب لذلك يجب أن تنتظر “مناقشة تاريخية وسياسية جادّة”. ذلك “شيء للمستقبل”، كما يشير. لكن في الوقت نفسه يقدم “فرضية معينة”.
السبب الأول هو “الطبيعة البيولوجية للرجل”، يقول كوفاليف. إن “أسلاف الحيوانات لدينا قد لم يكونوا على قيد الحياة لو لم يكونوا قد تعلموا أن يقسموا العالم لهم وللآخرين”. وهذا يفسر الوطنية و”دعم الناس لذلك” لأنه “لا يمكن لكل منا أن يتغلب على هذه الدعوة من الأسلاف والعيش في عالم يوجد فيه مكانا للعدالة”.
ويقول أن السبب الثاني، هو عمل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة. روسيا في العصر الحاضر هي كإنجاز ادّعاء مسؤول الدعاية النازي جوزيف غوبلز (Joseph Goebbels) بأنه “إذا ما أعطيت وسائل الإعلام الجماهيري، [له] فإنه سوف يحول أي أمة إلى قطيع من الخنازير”. ما قام به بوتين هو إجراء تجربة جماعية تؤكد هذا الاحتمال.
“ونتيجة لذلك”، يقول كوفاليف، “فإنا نعود الى الوراء ليس إلى 25 سنة خلت ولكن لفترة أبكر من ذلك بكثير”، وهي فترة يعرفها من خلال تجربته الخاصة في معسكرات الإعتقال السوفيتية (GULAG)، حيث كان يقال للسجناء من قبل السجانين: “لقد تم كتابة الدستور ليس لكم ولكن للزنوج الأمريكيين حتى يتسنى لهم الآن معرفة كيف يعيش المواطنين السوفيات بسعادة”.
ويتابع أنه بعد انقلاب أغسطس/آب: كان هناك “عدد معين من النواب الأكثر متابعة من مجلس السوفيات الأعلى حاولوا إقناع بوريس نيكولايفيتش يلتسين (Boris Nikolayevich) بأنه كان من الضروري الضغط من أجل إصلاحات سياسية حاسمة” في حين كان لا يزال هناك دعم شامل. لكن يلتسين قال انه لا يوجد داعي للعجلة وفي ذلك الوقت كان يعمل إلى جانب الإصلاح.
لكن لم يستغرق وقتا طويلا من أجل أن يصبح واضحا أن “هذا لم يكن كذلك: بدأ الوقت يعمل بقوة ضدنا”، فعلى الرغم من أن قلة اعتقدوا أنه يمكن التحرك بقدر ما ذهبوا اليه، وهو انعكاس مرير خصوصا لأن هذا “كان يمكن توقعه بسهولة وجرت محاولات لمنعه”. وهذا لم يحدث.
وجاءت نقطة تحول حقيقية عندما عين يلتسين بوتين خليفة له، كان ذلك بمثابة “انتهاك مروع لجميع مبادئ الديمقراطية والبرلمانية”، وأصبح الأمر أسوأ وذلك لحقيقة أن بوتين جاء من بين صفوف الكى جي بي. ويقول كوفاليف، لكن بدلا من معارضة ذلك، اعتقد معظم “الديمقراطيين” أنهم يمكن أن يعملوا معه.
لم يسألوا أنفسهم السؤال الأكثر وضوحا: هل يمكنهم تخيل ألمانيا ما بعد الحرب بحيث يصبح ضابط في البوليس السري الألماني (Gestapo) مستشاراً؟ لكن لأنهم لم يقاوموا ذلك في حالة روسيا، فقد تم “الحفاظ على الكى جي بي (الذي أصبح إسمه الآن إف إس بي)، وليس إصلاحه، حيث قام بالإنتقام”.
ويقول كوفاليف أنه لا يستبعد إمكانية أن تعاني الفيدرالية الروسية من نفس مصير الاتحاد السوفياتي، مضيفا أن “لديه الأمل وفي الوقت نفسه الخوف في أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة”. ومن الواضح أن القضية هي أن النظام الحالي يجب أن يتم استبداله، لكن هناك “سؤال آخر ومفاده هو من الذي يمكن أن يكون البديل”.
ويكمل كوفاليف أن أولئك الذين يقولون أن بوتين لا ينبغي أن يدفع الى زاوية لأنه سوف يتصرف مثل جرذٍ يحشر في زاوية، هم مخطؤون. “لقد نسوا أن [هكذا جرذ يحشر أم لا] هو حامل قوي للطاعون. ويجب على المرء أن يختار، إما أن يتصارع مع حامل الطاعون، أو كما في مسرحية بوشكين (Pushkin)، إجراء احتفال في وقت حدوث الطاعون”.
في رأيه، يخلص كوفاليف القول، إلى أن أول هذه العناصر هو المسار الأكثر حكمة.
ميرونينكو، وهو مقدم متقاعد من الكى جي بي الذي يعمل الآن في معهد أوروبا في أكاديمية العلوم (Institute of Europe at the Academy of Sciences)، يقدم رأياً مختلفاً إلى حد ما سواء في الماضي أو للمستقبل. ويقول إن الإصلاحات التي حصلت في عام 1991 انتهت لأن النخبة القديمة (nomenklatura) كانت قادرة على تشغيل الدوائر حول القوى الديمقراطية التي تفتقر إلى الخبرة.
ليس فقط لأن الزعماء الديمقراطيين والإصلاحيين هم أي شيء ما عدا أنهم مأهلون، لكن السكان تعبوا من “ثورات وحروب وجوع وفقر وخيبات أمل وهلم جرا، بحيث لا نهاية لها”. وبناء على ذلك، فإن هؤلاء الذين يتخذون موقفا متشددا كما فعل بوتين وعدوا بوضع حد لجميع المكتسبات.
لم يكن لنظام يلتسين الذي جاء بعد انقلاب أغسطس/آب “أي شيء مشترك مع أهداف التحديث في البلاد”، وبالتالي، استغلت النخب القديمة الروسية الوضع للاستيلاء على السلطة الحقيقية ووضعها في يديها. ونتيجة لذلك، يقول ميرونينكو، “لدينا النتيجة التي وصلنا إليها”.
ويدعو ميرونينكو إلى أن يكون هناك تفاؤل معين بشأن المستقبل على أساس زيارته إلى سيبيريا وأوكرانيا. “المجتمع الأوكراني يتعافى”، على الرغم من إجراءات موسكو، حسبما يقول؛ و“عاجلا أو آجلا فإن روسيا سوف تسير على هذا الطريق لأنه في العالم المعاصر ليس هناك مسار آخر”.
ويقترح أن الكآبة تعكس الآن القول المأثور القديم وهو أن “أحلك لحظات الليل هي التي تسبق بزوغ الفجر”.
ويدعو الناس إلى العمل من أجل مستقبل أفضل، مع الإدراك بأن تحقيق ذلك سيكون “وفق صعوبة لا تقاس” أكثر مما كان يمكن أن يكونوا قد فعلوه في السنوات التي تلت عام 1991. “هذا طريق طويل، لكنه سوف يبدأ بخطوة واحدة”.
وأخيرا، فإن أوسوفتسوف، الذي كان نائبا في مجلس سوفيات موسكو وفي أول مجلس للدوما الروسي، يشير إلى أن القطيعة مع الماضي في عام 1991 كانت أقل بكثير مما كان يعتقد الكثيرين في ذلك الوقت. ويتذكر الشعور بأن أولئك الذين كانوا يهتفون “يلتسين! يلتسين!” كانوا يعملون وفق نفس فكرة “الوثنية” مثل الذين هتفوا لستالين أو لينين أو نيقولا الثاني.
“وللمفارقة كان يلتسين في واقع الأمر اختياراً مثيراً للسخرية”، ويكمل أوسوفتسوف، كانت محاولة لجعله من “ملاك سقط من المكتب السياسي” إلى حامل لواء الديمقراطية. “لكن [الروس] الذين دعموا يلتسين” على المبدأ هم “الذين إن لم يكن يلتسين؟” فذلك نهج لا يزال يتردد صداه اليوم في روسيا.
ويقول أوسوفتسوف، لم تكن المشكلة حتّى في أن يلتسين كان شيوعياً لفترة طويلة، على الرغم من أن ذلك كان يهم أيضا. في الواقع، وكان الحال أنه كان شخصية سلطوية “دون إيمان راسخ”، وهو رجل “كانت ميزته الرئيسية في السياسة إرادة هائلة في السلطة وليس الأفكار حول القيم”.
هكذا الشخص والنظام الذي أوجده هو بالتالي فتح الطريق كما فعل “القمع والحروب العدوانية”. لم تكن هناك محاولة للخضوع إلى “تحليل حقيقي ناهيك عن الإدانة الحقيقية وحدها” للمبادئ الإمبريالية والسلطوية في الماضي، كما يقول: لأن الجميع كانوا يقولون “لا تبدأ عملية مطاردة الساحرات”.
أن ذلك جيد بقدر ما تسير الأمور، على ذلك، ويقول أوسوفتسوف، إذا كان أحد يتحدث عن حرق النساء العاديات تماماً. “لكن هل هو هكذا عندما تكون هناك حقا نساء ساحرات في جميع الأنحاء؟” وجزئيا بسبب ذلك، عادت روسيا إلى النموذج الإمبراطوري أو كما يقول البعض الآن “نموذج حشد المغول من الوجود التاريخي للدولة الروسية”، وهو فشل واضح لأحدث محاولة للتحديث”.
وعلاوة على ذلك، يكمل، هناك “عدد قليل جدا من الفرص” حيث ان هذا التحول إلى الماضي لن يستمر لفترة طويلة. “استمر الاتحاد السوفياتي لمدة 70 عاما ولم يعد له وجود لأن قائد واحد بدأ سياسة مختلفة نوعيا. وكانت الإصلاحات من أعلى إلى أسفل، على الرغم من أن جزءا من السكان قاموا بتأييدها”. لكن حتى ببساطة أكثر مشوا جنبا إلى جنب مع ما قالته السلطات.
يجب على المرء ألا ينسى أن “هؤلاء كانوا نفس الأشخاص الذين كانوا في عام 1983 على قناعة أنه من الصواب بالنسبة لنا اسقاط الطائرة الكورية الجنوبية، لكن كيف اعتبروا في عام 1988 أن تلك الإجراءات كان غير مسموح بها على الإطلاق. في عام 1979، كانوا على قناعة أنه كان من الصواب أن ترسل قوات إلى أفغانستان، ومن ثم في عام 1989، كان من الضروري سحبهم في أسرع وقت ممكن”.
ويضيف أوسوفتسوف، هذا هو “لأن [في كل حالة] كان ذلك هو ما قيل لهم”.
وهكذا، يتابع قائلا: هو “لا يرى أي أساس لتوقع أن النظام سوف ينهار”. إن “الفرص” الوحيدة التي تأتي نتيجة تغيير جذري في المسار الذي دمر النظام من الداخل أو حرب يمكن أن تجلب “نهاية النظام. لكن لا ننسى أن ذلك يمكن أن يحدث مع نهاية الحضارة”.
ويبين أن الناس يقولون، أن في الثمانينيات من القرن الماضي، “تراجعت أسعار النفط وانهار الاتحاد السوفياتي، والآن النفط تنخفض أسعاره مرة أخرى وأن الفيدرالية الروسية سوف تنهار”. لكن “هذا هو بدائي”، فعندما حدثت أمور في عام 1991، كانت الحرية في ارتفاع بسبب أن “الإمبراطور الرب قد أعطى ذلك. لكن الميول الآن من الأعلى والاسفل هي في الاتجاه المعاكس تماماً”.
لقد تغير الكثير منذ عام 1991، لكن هناك الكثير لم يتغير، يقول أوسوفتسوف. العديد يفسرون انهيار الاتحاد السوفياتي بسبب الحرب الفاشلة في أفغانستان ومقتل الجنود السوفيات هناك. ولكن “الآن يعرف الجميع أن الجنود الروس يموتون في أوكرانيا، وهل يعتبر الجميع أن هذا مفزع؟”
على الإطلاق. بدلا من ذلك، يرون أنه “طبيعي وصحيح” حيث أن “القتال مع أمريكا. أبطالنا يموتون لروسيا العظمى”. قبل خمسة وعشرين عاما قال الناس “دعو أفغانستان تعيش كما تريد. لكن الآن؟” لا أحد يقول أن أوكرانيا ينبغي أن يسمح لها لتفعل الشيء نفسه.