معتصم الرقاد
عمان- تألق المسرح الجنوبي في “جرش” بلوحات استعراضية مميزة قدمتها فرقة “نادي الجيل الجديد للفلكلور الشركسي” أول من أمس ضمن فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون في دورته الثلاثين.
وقدمت الفرقة عروضا قادمة من جبال القفقاس الشامخة لتتحد مع أعمدة جرش بلوحات فنية تصاحبها موسيقى إيقاعية خاصة مع كل رقصة، وامتلأ المدرج بمحبي الفرقة من الجمهور الاردني والعربي، يشاهدون اللوحات بتأمّل وصمت، صاحبه تصفيق مستمر لراقصي الفرقة.
وكانت الرقصات تتميز بخفتها وبايقاع عذب يعكس التراث الشركسي وحضارة كل مدينة، فرقصة “القافا” مثلا هي رقصة السبع خطوات، فيما الرقص للرجال يظهر بشكل كبير الجانب الارستقراطي للشركس والشموخ والكبرياء وعزة النفس التي يتحلون بها.
وتعبر كل رقصة بتشكيلاتها الحركية المتنوعة لراقصي الفرقة من الشباب عن خفة الحركة وجهود التمرين المكثف الدائم التي جاءت نتيجة تدريبات مكثفة قادها المدرب محمود اليبردوف والمعروف بـ”أرتور”، وهو مدرب ذو خبرة واسعة من القفقاس، وله العديد من المشاركات مع فرقة كابردينكا العالمية.
واتسمت اللوحات بطابع متغير ومتجدد، جراء سرعة الحركة والتوازن والخفة، التي تميز بها الرقص الشركسي، المرتبط برشاقة الفارس وحركة الخيل، التي ظهرت من خلال الرقص الفردي لكل راقص، مستعرضا مهاراته بعزة وشموخ وخفة عبر القفز، والوقوف على رؤوس الأصابع والدوران على أنحاء خشبة المسرح بدون تعب، فيما يداه ممشوقتان للأعلى أو على جانبيه، ليبدو وكأنه لوحة متحركة دقيقة التفاصيل.
وبرزت الشخصية الحربيّة للشركسيّ متمثلة بحركات الفروسية العنيفة وإيماءاته في استخدامه للأسلحة المختلفة، أداها الراقصون برشاقة عالية.
ويتميز الرقص الشركسي بدقة الأداء فيه والتوقيت، فضلا عن اظهار الطبيعة لكلا الجنسين، خصوصا وان الرقص عموما في اختلاف انواع الرقصات يعتمد على الحركات الناعمة فالشاب يحيط بذراعيه الفتاة من دون لمسها، فيما هي تقوم بحركات ناعمة تعكس حياء الفتاة الشركسية.
وقدموا جميعا لوحات معبرة عن شموخ الشاب الشركسي بقامته المرتفعة الشامخة، ونظرته العالية، وحركاته القوية الرشيقة، على رؤوس أصابعه، التي تداخلت بحركات زوجية دائرية، مع الفتيات اللاتي يعبرن بهذه الرقصة، عن أنوثة الفتيات الشركسيات، وفي الوقت ذاته، عن براعتهن في الرقص الفلكلوري على رؤوس أصابعهن، وبحركات معقدة تتطلب الدوران لفترة طويلة.
الرقص الشركسي يتميز بحركاته الدائرية، بين زوجية وأخرى رباعية، وتداخل صفوف الراقصين من الفتيات والشباب، وتحيتهم لبعض قبل معاودة الانفصال مرة أخرى، وكأنهما على موعد يلتقيان من ثم يفترقان.
وما كان لافتا، هو المزيج اللوني المتميّز الذي كان يظهر في كلّ لوحة من اللوحات، فلوحة ترتدي فيها الصبايا رداء ذهبي اللون، والشباب لونا خمريّا، ومرّة تطلّ الصبايا بلون أبيض، والشباب بالأسود، وهذا المزج والتنويع من شأنهما أن يمنحا لكل رقصة خصوصيتها ونبضها المتفرد، لينسجم تماما مع الحالة، التي في الغالب كانت حالات من الفرح أو الفخر.
وتأسست فرقة نادي الجيل كأول فرقة للفلكلور الشركسي في الأردن. وهي في طليعة الفرق الفلكلورية الأردنية من حيث مستواها الفني وقدرتها على التعامل مع المسرح وتمثيلها للأردن في المهرجانات والمحافل المحلية والدولية، وتعتبر الفرقة الأكثر مشاركة في مهرجان جرش منذ انطلاقته دون انقطاع.
وتقسم الفرقة الى ثلاثة اقسام تضم الناشئين والاشبال والفرقة الرئيسية، حيث يبدأ تدريبهم على الرقص الشركسي منذ عمر 9 سنوات وحتى 26 عاما، وتضم فرقة الناشئين والاشبال أطفالا وطلبة من عمر 9-16 سنة في حين تضم اعضاء الفرقة الرئيسية طلبة ومتطوعين من عمر 16-26 عاما.
وهناك كادر من الفنيين في مجالات الموسيقى والديكور والإضاءة والصوت وتصميم الأزياء.
ومن اهداف الفرقة، المحافظة على الارث الشركسي، وتبادل الثقافات بين الشعوب، وصقل مهارات الشباب وتنميتها، والانفتاح على الثقافات الأخرى والتفاعل مع المجتمع بعيداً عن الانطوائية والانغلاق، وتشجيع الشباب على الابداع والابتكار، والمساهمة في بناء الشخصية للمشاركين، اجتماعياً وثقافياً، بما يساعدهم على التعامل مع الحياة بشكل عام بواقعية وموضوعية، اضافة إلى تعميق الشعور بالانتماء والولاء للمجتمع والوطن.
واضافة الى التجديد والتطوير في البرنامج، فان الفرقة تسعى لاستقطاب نجوم العزف والغناء الشركسي لمشاركتها في مهرجان جرش، حيث سبق ان شارك عازف الاكورديون العالمي اصلان لبزو وهو نجم له جماهيرية هائلة، ويتميز بمهارته بالعزف والحركة الايقاعية الجميلة، والحضور الكبير على المسرح، وذلك إلى جانب المغنية دارينا التي تقدم أغاني مستوحاة من التراث الشركسي الأصيل.