موسكو تفرض قيوداً أكثر تشدّداً على النّشطاء الشّركس


بقلم: فاليري دزوتسيف

ترجمة: عادل بشقوي

في يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني، استدعى مركز مكافحة التطرف في جمهوريّة أديغيا رئيس تحرير وكالة أنباء ناتبرس ، أصلان شازو ، للحوار. وروى شازو ما حدث خلال حديثه مع مسؤولي الشرطة، وتوفير لمحة نادرة عن الآليات التي يستخدمها المسؤولين الروس في قمع الناشطين الشركس. ووفقا إلى شازو، فقد تناول الحوار مناشدات صدرت عن نشطاء من الشركس إلى حكومات أجنبية، طالبين منها الاعتراف بِ "الإبادة الجماعية" الشركسية التي ارتكبتها روسيا. استمر الحوار عدة ساعات وكان المسؤول الذي تحدث إليه مهذبا إلى حد كبير ومحترماً، وكتب شازو: "ومع ذلك، لا تزال ترد بعض الأسئلة الاستفزازية. على سبيل المثال، لأنهم قد يسألون: "هل تؤيد إجراءات حلف الناتو منظمة حلف شمال الأطلسي ضد روسيا؟" أرد على السؤال بأنّي أكثر قلقا من تصرفات روسيا. “أقول في النهاية، ليس حلف شمال الأطلسي، ولكن روسيا تقرر مصير الاعتراف بِ”الإبادة الجماعيّة” الشركسية. بالرغم من ذلك، أنا أدين تصرفات روسيا في أوكرانيا والقرم”." وقد كرّر شازو مقارنة تناقض الحكومة الروسية السابقة مع الحكومة الروسية الحالية في عهد بوتين، وعبّر لمسؤول الشرطة أن روسيا بوتين أصبحت معادية للشركس بشكل واضح .

على خلفية تدهور العلاقات بين روسيا والغرب والناجمة عن الغزو العسكري الروسي في أوكرانيا، بدأ نشطاء من الشركس بالطّلب من حكومات تعارض روسيا الاعتراف بِ"الإبادة الجماعية” الشركسية. وبعد الإستيلاء على القوقاز من قبل الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، تم ترحيل ما يقدر بنحو 90 في المئة من أبناء الشّعب الشركسي من وطنهم إلى الإمبراطورية العثمانية. تم تجويع العديد من الشركس حتّى الموت أو تم القضاء عليهم بطرق أخرى من قبل القوات الرّوسيّة. دفعت رغبة موسكو الإستحواذ على ساحل البحر الأسود ذو الأهمية الإستراتيجية لانتهاج روسيا تكتيكات الأرض المحروقة ضد الشركس، الذين كانوا يقطنون المناطق الساحلية.

وكان النداء الأخير في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما دعا 52 ناشطاً شركسياً من 10 بلدان، بما في ذلك روسيا، القيادة البولنديّة الإعتراف بِ"الإبادة الجماعية” الشركسية. وعرض النداء الأمثلة الماضية للنشطاء البولنديين في مناصرة القضية الشركسية مستشهداً بالتجارب المشتركة ودعا الحكومة البولندية الاعتراف بِ"الإبادة الجماعية” الشركسية . في مايو/أيار ويونيو/حزيران، دعا نشطاء شراكسة الحكومة لأوكرانية الإعتراف بِ"الإبادة الجماعية" الشركسية .

وكان رد فعل الحكومة الروسية على تحدي الناشطين الشركس ليأخذ تدابيراً قمعيةً ضدّهم. على سبيل المثال، نظمت مجموعة من النشطاء حركة احتجاج سلمي في 7 فبراير/شباط، يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي، ومنذ ذلك الحين، استمرت الحكومة في اتخاذ إجراءات قمعية ضد هؤلاء الناشطين. أحد زعماء الاحتجاج، أنزور أخوخوف ، لم يتعرض للضرب والتعذيب فقط، ولكن للاضطهاد فيما بعد للتعبير عن رأيه حول سوء المعاملة التي لقيها على يد الشرطة . وذهبت الشرطة إلى حد تزوير الأدلة ضده. ووفقا للأدلة التي تبدو ملفّقة، سحب أخوخوف ادعاءاته عن إساءة المعاملة من قبل الشرطة. في الواقع، نشر أخوخوف تقييماً عن وضعه الصّحّي قدّمه خبراء طبّيّين مستقلين بعد اطلاق سراحه من حجز الشرطة. وخلص الخبراء إلى أن علامات متعددة ظهرت على جسم الناشط نتيجة لآثار الضرب .

وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني، مُنِعَ عضو مجلس إدارة فيدراليّة الجمعيات القوقازيّة، أردوغان بوز، من دخول روسيا في مطار منيراليني فودي في منطقة ستافروبول. وكان الناشط الشركسي في طريقه إلى كراشيفو - شركيسيا، حيث كان ينوي المشاركة في مؤتمر للغة. وبقيت الأسباب الّتي من أجلها منع الدخول غير واضحة، لكن لاحظ نشطاء من الشركس ان الحكومة الروسية انتهجت سياسات تقييدية للغاية تجاه النشطاء ليس فقط الشركس، ولكن حتى مصالح الأعمال الشركسيّة من تركيا والتي كان من الممكن أن تساعد في تحسين الوضع الاقتصادي المتردي في المنطقة .

ومن المفارقات، فإن بوز هو عضو في كافيد ، فيدراليّة الجمعيات القوقازيّة في تركيا، وهي منظمة صديقة لموسكو إلى حد ما، على الرغم من أنها أصبحت أكثر انتقادا للسياسات الروسية مؤخرا. وقد تم استجواب الناشط في مجال حقوق الإنسان في قباردينو - بلكاريا، فاليري خاتجاكوف  عندما كان في طريقه الى تركيا وحين العودة لأسباب غير معروفة، رغم أنه على علاقة جيدة مع حكومة قباردينو - بلكاريا .

إن جهد الحكومة الروسية المنسق لاحتواء النشاط الشركسي يأخذ أحيانا أشكالا غريبة. في إحدى الحالات، استولت الحكومة على ما يبدو على موقع على شبكة الانترنت، وهو الذي نشر عن مواضيع شركسية ذات صلة، إنه موقع ناتبرس.إنفو . ويبيّن الموقع الآن أنّهُ في أسوأ تقاليد الحقبة السوفياتية وينشر: “تعتذر وكالة ناتبرس مرةً أخرى للجمهورلحقيقة أن رئيس التحرير السابق أصلان شازو يحاول التدخل في أنشطة المصادر. أناس مثل شازو وأبريغوف  وكيداكوييفا  من النشطاء الشركس وغيرهم من الشخصيات غير المعروفة على نطاق واسع في جمهوريّة أديغيا، يدفعون الشعب الشركسي إلى حالة أوكرانيا المعاصرة. نريد من الشركس أن يروا عواقب الديمقراطية على الطريقة الأمريكية. شازو وآبريغوف ومن شابههم حصلوا على صفة لاجئ في أمريكا ومستعدون للهروب إلى هناك في أي وقت. نحن لسنا بصدد ترك وطننا ونحن نرفض كل أنواع التلميحات والاستفزازات من هؤلاء المرتدّين” . وكان على مدير التحرير المستقل للموقع، أصلان شازو أن ينشئ موقعاً آخر، والذي يدعى الآن ناتبرس آر يو.إنفو ، الذي ذكر آنفاً في هذا المقال.

وعلى الرغم من التّقليل من شأن تأثير النشطاء الشركس المستقلّون، فإنّ الاستيلاء على موقعهم على الانترنت يدل على أن الحكومة الروسية تدرك أهمية أنشطتهم ولمدى تقبل الجمهور الشركسي لبياناتهم. لذلك فإن الحكومة الروسية تتخذ تدابير وقائية لوقف تطوّر الحركة الشركسية. ومع ذلك، فإن هذه العمليات لا تزال مستمرة على الرغم من جهود موسكو وسوف يبرهنون أنفسهم بقوة، بمجرد أن يلين النظام السياسي في روسيا.

المصدر: