الظاهر سيف الدين برقوق بن انس بن عبد الله الشركسي


تمر اليوم  (26 نوفمبر) الذكرى الـ 636، على تولي السلطان برقوق بن أنس، الحكم في مصر، الذي يعد مؤسس دولة المماليك الثانية، والمعروفة باسم المماليك البرجية، إذ تولي السلطان الظاهر، الحكم في 26 نوفمبر من عام 1382م.

والسلطان الملك الظاهر سيف الدين برقوق بن انس بن عبد الله الشركسي، وُلد في القفقاس عام 1340 م (740 هـ) وقدم للقاهرة وعمره 20 عاما ليلتحق بالجيش المصري حيث أتقن فنون الحرب والفروسية، وترقّى في المناصب العسكرية ورُتب الإمارة حيث أصبح أمير طبلخانة، ثم أمير آخور ثم أتابكا عام 779هـ.

عمل على جمع شمل الأمراء الشراكسة وتعزيز مواقعهم فلما نشِب النزاع بينه وبين الأمير بركة هزمه وقبض عليه وحبسه. عُيّن مُشاركا في تدبير أمور الدولة (أي وصيا على العرش) بعد وفاة السلطان المنصور علاء الدين علي بن شعبان وتولية ابنه الطفل الصالح حاجي سلطانا عام 1381م.

استجاب لإلحاح الأمراء ورغبتهم في تنصيبه سلطانا فعليا عليهم بدلا من السلطان الأسمى الصغير فوافق على ذلك وبويع سلطانا على مصر في 19 رمضان 784 هـ (16 نوفمبر 1382 م) ولُقّب بالملك الظاهر سيف الدين برقوق فكان بذلك مؤسس دولة السلطنة الشركسية في مصر (البُرجييّن أو المماليك البرجية) بمصر، التي استمرت حتى عام1517 م.

جرت عدة محاولات لعزله، واستطاع أعداؤه في عام 791هـ (1391م) هزيمته، ونفيه وسجنه في قلعة الكرك في الأردن، لكنه استطاع بمساعدة أصدقائه تحرير نفسه والهرب من سجنه وهزيمة مناوئيه والعودة إلى عرش السلطنة ثانية في عام 792 هـ (1392م).

نجح في عقد عدة معاهدات مع العثمانيين والقفجاق وسيواس ضد الخطر المغولي الزاحف. توفي يوم الجمعة 15شوال 801 هـ (1399 م) وعمره 60 عاما، وقد بكاه الناس لعدله ورفقه برعيته. وكان من مآثره، إبطال الضرائب على الثمار والفواكه، وبناء مدرسة وخانقاه ومدفن الظاهر برقوق وجسر الشريعة على نهر الأردن. كانت الحرب علي اشدها في عصره بين تيمور لنك (المغولي) وبايزيد (العثماني) وكان يسعي كلا الطرفين لارضائه وان يكسبه في صفه. كان شجاعا ذكيا عارفا بالفروسية ماهرا بلعب الرمح، يحب الفقراء ويتواضع لهم، قيل عنه انه كان أعظم ملوك الشراكسة بلا منازع.

امتاز برقوق بالذكاء وأخذ منذ ذلك الحين يحيك المؤامرات ويخطط للوصول إلى الحكم وبراقب مؤامرات كبار الأمراء اليلبغاوية ضد السلطان شعبان. سعى كبار الأمراء اليلبغاوية إلى السلطان حتى يفرج عن اليلبغاوية المسجونين والمنفيين بالكرك ومنهم برقوق الذي ألحق بخدمة الأمير منجك اليوسفي نائب السلطان في دمشق وذلك حتى استدعى السلطان اليلبغاوية من سوريا ليجعل من وجودهم توازناً مع مماليكه في القاهرة. 

انتهز برقوق الفرصة ودفع صهره الأمير طشتمر العلائي للتخلص من السلطان وهو ما حدث وولي ابنه السلطان المنصور علي اتقاءً للماليك الأشرفية، وسيطر اليلبغاوية على مقاليد الدولة وأبعد الأمير طشتمر العلائي بتعيينه نائباً على دمشق خشية إثارة المماليك الأشرفية، أما برقوق فانتقل مع جماعة من الجراكسة للعمل في خدمة الأمير إينبك البدري وظل على دربه بإثارة الفتن بين الأمراء اليلبغاوية الترك المتقاتلين على الزعامة، حتى تولى أميره إينبك الأتابكية فرقى أبناءه ومماليكه وترقى برقوق من إمرة عشرة إلى إمرة طبلخاناه.

بدأ الأمير إينبك يعد نفسه ليكون سلطاناً، ولكن الأمير طشتمر العلائي صهر برقوق حث الأمراء اليلبغاوية في سوريا على الثورة ضده من ناحية، ومن ناحية أخرى أشار برقوق على إينبك بالخروج في حملة لقمع هذه الثورة وفي نفس الوقت اتفق مع كبار الأمراء اليلبغاوية في القاهرة الأمير يلبغا الناصري والأمير بركة الجوباني على التخلص من إينبك أثناء خروجه لحملة سوريا بتحريض عسكره للثورة عليه وهو ما حدث، وأصبح الحل والعقد بيد ثلاثة من الأمراء اليلبغاوية هم يلبغا الناصري الذي عين أتابكاً للعسكر، وبركة الجوباني الذي عين أمير مجلس، وبرقوق الذي عين أمير آخور. 

ومع تزايد نفوذ هؤلاء الثلاثة ظهرت عدة محاولات من جانب الأمراء الترك بالمناداة بتولية سلطان كبير من أسرة قلاوون، فأراد بركة وبرقوق صرف انتباههم بتولية طشتمر العلائي الأتابكية بصفته أكبر الأمراء وأبعدا يلبغا الناصري إلى نيابة طرابلس وخفاءً نافس كل منهما الآخر على الزعامة وفي نفس الوقت أخذا يتآمران على طشتمر للتخلص منه حتى قبضوا عليه وسجن بالإسكندرية.

وأسندت الأتابكية إلى برقوق وعين قريبة أيتمش البجاسي أمير آخور وبعد ثورة إينال اليوسفي عليه استدعى يلبغا الناصري ليتولى إمرة سلاح بدلاً منه، واستغل كره الناس والعلماء لبركة وأخذ يعمل على التخلص منه إلا أنه وجد نفسه بين فرقتين من المماليك أولهما المماليك الأشرفية الموالية للسلطان ومماليك بركة فتودد للفرقة الأولى وعادا الثانية وأظهر نفسه في موقف المدافع عن السلطان أمام طغيان بركة.

وأصبح العداء سافراً بين المماليك الترك بقيادة بركة والذي انضم إليه يلبغا الناصري وبين المماليك الجراكسة بقيادة برقوق ودار بين الطرفين مناوشات ومعارك انتهت برجاحة كفة برقوق الذي وقف بجانبه العامة وقبض على بركة ومماليكه وحبسوا بالإسكندرية وحبس أيضاً يلبغا الناصري، وإمعاناً في إضعاف الروح المعنوية للعنصر التركي والقضاء على آمالهم أوعذ برقوق إلى نائب الإسكندرية سراً بقتل بركة في السجن وذلك حتى لا يظهر أمام العامة في صورة سفاك الدماء.

 وعندما أدى مهمته أظهر برقوق غضبه عليه وسلمه لأتباع بركة فقتلوه، واهتم برقوق بزيادة عدد الجراكسة وأحضر والده وأقاربه وأولاده إلى مصر وعينهم في وظائف مختلفة.