رحلتي مع القاموس الشركسي - عادل عبدالسلام لاش


مع القاموس الأديغي (الشركسي)

بدأت رحلتي مع القاموس الأديغي (الشركسي) في أواخر أربعينات القرن العشرين. إذ كنت أشعر بالنقص والقصور الذي تعاني منه اللغة الشركسية أثناء تعاملي مع القواميس المدرسية العربية والإنكليزية والفرنسية في دراستي الثانوية. وكنت أشعر بالحرج أمام زملائي العرب لعدم وجود كتب وقواميس شركسية. وكذلك زملائي الشركس حين سؤالهم عن مقابل كلمة عربية عويصة في اللغة الشركسية، وذلك على الرغم من إتقاني للغة الشركسية ومعرفتي الجيدة بها وبلهجاتها الرئيسية. وكان احتكاكي الأول بموضوع القاموس الشركسي في سنة 1948، التي تم فيها تأسيس (الجمعية الخيرية الشركسية ) في دمشق. إذ حظيت الجمعية بثلة من المهتمين باللغة الشركسية وعلى رأسهم رئيسها المرحوم يوسف صلاح الدين تاموخ، الذين تجاوبوا مع مقترح المرحوم الدكتور جواد إدريس ( تسه ي ) لوضع معجم للغة الأديغية بثلاث لغات هي: الإنكليزية والعربية والأديغية، في سنة 1952. وهنا بدأت العمل الفعلي بالقاموس الأديغي، إذ تم تكليفي بإنجاز كلمات حرف الـ (G) رسمياً, وتكليف آخرين بالحروف الأخرى، باعتماد الأبجدية اللاتينية التي أقرتها الجمعية، بعيداً عما يجري في الوطن الأم حيث كانت الأبجدية الكيريلية مفروضة على الأديغية وغيرها من لغات أقوام المستعمرات الروسية. وعلى الرغم من إنجازي ما كُلفت به وما كلف به معظم المكلفين فإن ظروفاً معينة حالت دون إتمام المعجم، وأعيدت المخطوطات الأولية للحروف المنجزة إلى أصحابها. فمات أول مشروع لمعجم شركسي في المهجر العربي في مهده.


كانت هذه المرحلة وملابساتها حافزاً لي للبدء بجمع مواد وضع معجم شركسي، لكني أدركت جسامة الأمر، لسبيين، أولهما انعدام المختصين باللغة الشركسية والدارسين لها في بلاد المهجر، وثانيهما عدم توفر المراجع والمصادر الضرورية، إلا القليل مما تركه عدد من المهتمين ... المؤلفة من مطبوعات متواضعة في مرحلة وجود المدرسة الشركسية وجريدة " مارج " في عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، وبصورة خاصة مؤلفات هارون بلناو، ثم وفي خمسينات القرن المذكور مؤلفات شعبان كئوبه، التي كانت مصدراً ثراً للغة والأدب الشركسيين. ومع ذلك لم أنقطع عن جمع ما توفر من مادة لغوية من أفواه العارفين في سورية والأردن. لكن نقطة التحول المهمة في هذا الشأن فلقد كانت سنة 1956، التي تدفقت فيها المطبوعات المختلفة على سورية من الإتحاد السوفييتي البائد، نتيجة موقفه المؤيد للعرب في أزمة قناة السويس. وكان من بينها الكثير من الكتب والمؤلفات الشركسية وعدد من المعاجم. الأمر الذي حولني إلى استعمال الكتابة الكيريلية مكان الكتابة باللاتينية. وفي أواخر سنة 1957 أمكنني مكاتبة عدد كبير من الكتاب والعلماء الشركس في الوطن الأم. فكان ذلك بداية مد جسر تدفقت عبره أعداد كبيرة من المؤلفات الشركسية علي، ومنها جميع المعاجم الشركسية المتوفرة والتي صدرت فيما بعد. ولقد استمر تواصلي مع الوطن الأم حتى انهيار الإتحاد السوفييتي، وفُتحت لنا أبواب زيارة أبناء جلدتنا وأهلنا هناك.


لكنني وفي أثناء ذلك وفي  سنة 1979 وجدت في نفسي القدرة على وضع المعجم الشركسي المزدوج ( شركسي- عربي، وعربي-شركسي )، فتقدمت بطلب عون الجمعية الخيرية الشركسية بدمشق لي، لكن ظروفاً معينة حالت دون تحقيق الرغبة، على الرغم من التجاوب المخلص من قبلها. فقررت القيام بالعمل منفرداً. فكانت الخطوة العملية الأولى في إصدار معجم متواضع باللغات الإنكليزية- الشركسية- العربية من قبل جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية سنة 1985، حيث أقمتُ فيها دورة لتعليم اللغة الشركسية لدارسين يابان سنة 1983. أعقب ذلك تقديمي مسودة معجم علمي اختصاصي لوزارة التربية في جمهورية أديغيي هو ( معحم المصطلحات الجغرافية)- شركسي- روسي. وذلك في سنة 1995، لكن طباعتة ونشره تأخرا إلى سنة 2003 لأسباب لا أود الخوض في تفاصيلها. وفي هذه الأثناء كنت منهمكاً في إعداد القاموس الشركسي- العربي، و أنجزت القسم الأول منه ، وهو القسم الشركسي- العربي سنه 2001، الذي طبع في دمشق بجهود مطبعة دار الأنوار. ولقد اعتمدت في وضعه اللغة الأدبية والكتابة الشركسية الغربية، مقابل العربية الفصحى. وقد بذلت جهداً كبيراً في سبيل تنقية اللغة من الدخيل الروسي والأجنبي، بحيث لم تتجاوز نسبة الدخيل فيه 4 % ، مقابل نحو 19 % في عدد من القواميس الصادرة في بلاد الشركس في الزمن السوفييتي الروسي.

بعد ذلك ومنذ صدور القاموس المذكور عكفت على وضع القسم الثاني منه وهو القسم العربي- الشركسي، وبعد الانتهاء من تنضيده على الكومبيوتر. تصدت ((الأكاديمية الدولية للثقافة الشركسية) (ICCA) في عمّان- الأردن لطباعته,وإصداره سنة 2013. وقد راعيت فيه الاستفادة من اللهجتين الأدبيتين الشركسيتين( الغربية والشرقية )، ومترادفات كلماتهما، بغية تسهيل عملية توحيد اللهجتين في لغة فصحى واحدة، ووضع أبجدية موحدة في المستقبل.

عادل عبدالسلام لاش
دمشق 4- 7- 2019

facebook.com