تقديم: عادل بشقوي
“البطل هو شخص يفهم المسؤولية التي تأتي مع حريته“، ومن خلال النظر في الظروف الأخرى المرتبطة بها، يتجسد هذا المفهوم ويرمز إليه. ويفتدي الناس وطنهم وقضيتهم العادلة التي يؤمنون بها عبر الاستفادة من كل قوتهم ومعرفتهم لتحقيق التطلعات المشروعة من خلال الوسائل القانونية والعقلانية والسلمية.
هناك مثال حديث للأحداث الواقعية التي يمكن الإشارة إليها. وقد توفرت حقائق واضحة حول شؤون مختلفة من القضية الشركسية ووضعت في دائرة الضوء. على ما يبدو، وكنتيجة لحركة توعية قامت بها مجموعة من الناشطين الشركس في نالتشيك، عاصمة جمهورية قباردينو – بلكاريا ، ظهرت هناك بعض الأطراف المؤثرة والمعروفة، لم ترغب في رؤية الشركس يحاورون ويناقشون شؤون وضعهم الحالي. ويُذكر من بين النشطاء الشجعان مارتن كوشيسوكو المعروف بانه فريد من نوعه.
لقد تعاون النشطاء الشراكسة، مع مراكز البحوث والدراسات والأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان، وقاموا بعمل الاستشارات في المسائل القانونية لمناقشة الشؤون التي تهم الشركس. لقد نشطوا في نشر المعلومات وعقد الاجتماعات والتجمعات، بالإضافة إلى إحياء ومراعاة ذكرى العديد من الأحداث مثل يوم الذكرى الشركسي في الحادي والعشرين من شهر مايو/أيار.
ويبدو أن هذا النشاط الملموس للتوعية يلقي بظلاله على مخاوف المصالح السلطوية في شمال القوقاز وما وراءه، ربما بسبب عدم رغبة السلطات الروسية في التخلي عن السيطرة الاستبدادية المباشرة ورغبتها في عدم إبداء المرونة. لقد تجاوزت السلطات الحدود المقبولة في حكم الشعوب الأصلية وفقًا لأساليب بوليسية ومخابراتية تخطّت كل المعايير والحدود عن طريق انتهاك حقوق المواطنين وفق أساليب متهورة وغير إنسانية. وتؤكد المعلومات أن الدستور والقوانين (القواعد واللوائح) يجري تجاهلها ولا يتم تطبيقها عمداً على جميع المواطنين على قدم المساواة. وعلى الرغم من الأضرار الجانبية الناتجة عن استعداء الشركس، إلا أن روسيا لم تظهر أي مؤشر على الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها الإمبراطورية القيصرية الروسية.
قُبض على مارتن كوشيسوكو تعسفياً عندما كان يقود سيارته متجهاً إلى منزله، حيث اتهموه بحيازة المخدرات التي زرعوها هم أنفسهم في مقتنياته. نُشر خبر اعتقاله في الثامن من يونيو/حزيران 2019 في وسائل الإعلام مثل ”كافكاز أوزيل“ و”كافكاز ريالي“ فهذا ليس سلوكًا مفاجئًا أن نتوقعه من السلطات الروسية عندما يريدون احتجاز أي شخص، كما فعلوا مؤخرا في موسكو. فقد ”تم اعتقال إيفان غولونوف ، وهو الصحفي البالغ من العمر 36 عامًا والمعروف بكشف الفساد بين مسؤولي مدينة موسكو، وذلك يوم الخميس على أيدي الشرطة، واتُهم بارتكاب جرائم خطيرة تتعلق بالمخدرات وهو ما ينفيه“.
“لقد تبنى المسؤولون الروس نفس الاستراتيجية تمامًا وللأسباب نفسها ضد مارتن كوشيسوكو، الناشط الشركسي وزعيم منظمة خابزه ، حيث اعتقلوه وزرعوا المخدرات بمقتنياته وذلك بسبب دعمه الراسخ للحرية ولحقوق شعبه . والأمر الأسوأ والأكثر إفادة حول طبيعة السلطات الروسية هو أن هناك أدلة واضحة بأن السلطات في قضية كوشيسوكو قد خططت لهذا الأمر مقدمًا منذ وقت طويل ودمجت التهم الموجهة إليه في حملة كبيرة ضد جميع النشطاء الشركس الذين يجرؤون على انتقاد الظلم الروسي“. [6]
وفي إشارة إلى ما حصل مع الصحفي الموسكوفي، كان الصحفيين ولحسن الحظ على استعداد للدفاع عن قضيته. ”اتخذت ثلاث صحف روسية رائدة خطوة غير عادية يوم الإثنين وذلك بنشرها عناوين متشابهة على الصفحة الأولى للاحتجاج على ما تشتبه في أنه توريط لصحفي إستقصائي بتهم تتعلق بالمخدرات“. وفي نهاية الأمر، ”أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قام بطرد جنرالين في الشرطة على خلفية القضية الجنائية التي لا ترقى إلى المصداقية ضد الصحفي إيفان غولونوف. [8] ومن غير المعتاد الوصول إلى مثل هذه الخاتمة السعيدة في هكذا حالة. و“قامت الشرطة بانعطاف حاد ونادر الحدوث يوم الثلاثاء عندما أسقطت فجأة التهم الموجهة ضد غولونوف وقامت بإطلاق سراحه دون محاكمة“.
فيما يتعلق بأوجه التشابه بين الحالتين اللتين حصلتا مؤخرا، هناك حاجة ملحة إلى مراعاة الضمير الإنساني والمسؤولية الأخلاقية وواجب الإنسان في الدفاع عن المفاهيم السامية وحرية التعبير وحقوق الإنسان. إن ”أولئك الذين يدافعون عن غولونوف يجب أن يكونوا أيضا مدافعين عن كوشيسوكو. ويمكنهم العثور على تقارير جيدة عن قضيته في: (kavkazr.com) و (caucasustimes.com). والإجراءات المتخذة ضد الاثنين لها جذور سياسية، وليس لموضوعها علاقة بالمخدرات. كشف غولونوف عن الأنشطة الإجرامية لسلطة بوتين العمودية والقلة ذات الثراء الفاحش. لقد أخذ كوشيسوكو زمام المبادرة في إعلان أن ”الدستور لا يعمل وأن الفيدرالية يتم تدميرها وأن السلطات قد نأت بنفسها عن الناس وبالتالي عمّقتْ الأزمة المنهجية“
لقد اعتبر مارتن كوشيسوكو نفسه فرداً من أبناء أمة تطالب باستعادة حقوقها، وبالتالي تصرف فقط وفقًا للمفاهيم القانونية التي يمكن اتباعها للوصول إلى الأهداف المشروعة. ”إن القضية التي أثارها المسؤولون الروس ضد الزعيم الشركسي يجب أن تثير الغضب بنفس القدر الذي أثاروه ضد غولونوف. إنهم لا يستحقون أقل من ذلك. (وللحصول على خلفية حول أنشطة كوشيسوكو المثيرة للإعجاب، والتي غالبا ما تم تمريرها الى موسكو بصمت، يمكن الرجوع إلى:
(kavkaz–uzel.eu/articles/336453 and kavkaz–uzel.eu/articles/325671/).[11]
فبدلاً من الاستماع إلى صوت العقل والتعقل، وحتى التفكير في تسوية المسائل التي لم يتم تسويتها بعد والمتعلقة بالسيطرة المباشرة من قبل المركز على السلطات المحلية، فقد ازداد الوضع سوءًا وأصبح أكثر ارتباكا عبر إزعاج السكان. وبالتالي، فإن السلوك الإرتجالي الواضح للسلطات يجلب رد الفعل المعتاد والطبيعي، الذي يحفّز أولئك الذين يشعرون بالاضطهاد للمطالبة باستعادة حقوقهم المصادرة. وهذا يؤدي إلى استنتاج مفاده أن هذه السلطات تتَّبِع نهجا أحادي الاتجاه مع أولئك الذين من المفترض أن يكونوا شركاء في ما يوصف بأنه فيدرالية.
لا يمكن تسمية ووصف ذلك سوى أنه مزيجا من العنصرية المقيتة والظلم وانتهاك الحقوق والاستبداد والديكتاتورية والتسلط والطغيان واالتفرد بالرأي وتشتيت الأمة الشركسية في الوطن والعالم. وفي هذا النطاق علقت ناشطة شركسية على الفيسبوك بما يلي: {يسمحون لرياضييهم باستهلاك عقاقير محظورة ويختلقون أكاذيب حول هذا الموضوع … لكنهم يتهمون أناس أبرياء تمامًا بحيازة أو تداول أو التعامل مع المخدرات! إنّها أسوأ دولة فاسدة وعنصرية وإمبريالية في العالم}.
في الختام، تجدر الإشارة إلى أن الصحفيين والمؤرخين الأكاديميين وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء السياسة الذين يدرسون ويكتبون عن الماضي والحاضر في القوقاز، من ثمانية عشر دولة مختلفة قد وقعوا نداءً للمطالبة بالإفراج الفوري عن الصحفي والناشط الشركسي، رئيس المنظمة العامة ”خبزة“، مارتن كوشيسوكو. ذكر النداء: ”تماما نفس القضية الجنائية ملفقة ضد هذا الناشط الشركسي كما هي ملفقة ضد مراسل صحيفة ميدوسا إيفان غولونوف. تتهم وكالات إنفاذ القانون كوشيسوكو بحيازة المخدرات“. بالإضافة إلى ذلك، يُذكر أن ”مارتن كوشيسوكو يتعرض للاضطهاد لأسباب سياسية. فعلى وجه الخصوص، بعد اجتماع مائدة مستديرة في نالتشيك يوم 17 مايو/أيار حول مشاكل الفيدرالية في روسيا، جاء رجل من الإدارة المحلية إلى والدي كوتشوكو وحذر من أن مارتن سيواجه مشاكل إذا لم {يحد من أنشطته}.“