الشركس يعبرون عن السخط حيال النصب التذكاري للقيصر الكسندر الثاني في سوتشي


الكاتب: فاليري دزوتسيف 

ترجمة: عادل بشقوي

في الحادي والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، أقامت السلطات في منتجع مدينة سوتشي على البحر الأسود نصباً تذكارياً للقيصر الروسي الكسندر الثاني . وكان النصب  جزءا من مشروع أكبر يدعى درب المجد الروسي . وقال رئيس المشروع، ميخائيل سيرديوكوف لموقع كفكازسكي أوزيل  أن “الميّزة الأساسية لألكسندر الثاني هي أنه أنهى حرباً قوقازية طويلة ودموية وبدأ الإستيعاب الإقتصادي للقوقاز. ونحن نعتقد أن سوتشي هي المكان الأنسب لمثل هذا النصب.” غير أن سلطات المدينة، قد تجاهلت رأي السكان الأصليين للمنطقة، وهم الشركس (Kavkazsky Uzel, November 20).

وقال ماجد شوشوخ ، وهو ناشط شركسي (من الشابسوغ) في منطقة كراسنودار (Krasnodar)، حيث أن سوتشي هي جزء منها، لموقع كفكازسكي أوزيل أنه علم عن النصب من التقارير الإخبارية قبل أيام من إزاحة الستار عنه، وقال ان المجتمع الشركسي ضد إقامة مثل هذا النصب في منطقة ذبح فيها الآلاف من أسلافهم. وكان يجب على إدارة المدينة أن تتصرف بطريقة أكثر لباقة، على سبيل المثال، عن طريق الإستفسار عن رأي السكان الأصليين،” حسبما قال. “ربما كان بالإمكان إقامة نصب تذكاري — في النهاية، حيث أن الكسندر الثاني هو شخصية تاريخية، وفعل الخير الكثير لروسيا، لكن ما كان ينبغي عليهم أن ينسوا أسلافنا الذين قضوا نحبهم. لا يستطيعون تجاهلنا، وكأنّ أمتنا لا وجود لها على الإطلاق.” وقال ناشط شركسي آخر هو أرانبي خباي ، إنه كان يجب على السلطات أن تقيم نصباً للقيصر الروسي في سانت بطرسبرغ ، ولكن ليس في سوتشي، حيث قام الجيش الروسي بإبادة الشراكسة فيها. وقال أخصائي الأعراق الأكاديمي الروسي ذو العلاقة بالأمر، سيرجي أروتيونوف  إن القيصر الكسندر الثاني كان معروفا بالفعل بإصلاحاته المتقدمة، وخاصة إلغاء العبودية في روسيا في عام 1861، لكن لم يكن وجود للعبيد في سوتشي، لذلك فإن الغرض من النصب كان غير واضح على الإطلاق (Kavkazsky Uzel, November 20).

كان الشركس في الماضي أكبر مجموعة عرقية في شمال القوقاز وكانوا يسيطرون على المنطقة، وخاصة في الأجزاء الوسطى والغربية. غير أنّهُ، بعد أن استولت الدولة الروسية على المنطقة في حرب طويلة ودامية امتدت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تم خفض عدد السكان الشركس إلى مجموعة عرقية صغيرة في المنطقة. وبعد تسديد الضربة القاضية للقوات الشركسية قرب سوتشي العصرية في عام 1864، قامت الحكومة الروسية بطرد السكان الشركس المتبقين واستبدلت مكانهم القوزاق والعرقيّين الروس، الذين تم إيفادهم على وجه السرعة إلى المنطقة. وبحلول عام 1870، ظل ما يقدر بنحو 2 في المئة من عدد السكان الشركس قبل الحرب في وطنهم (Onkavkaz.com, December 1). أماالباقي، فإنهم إما قتلوا، أو قضوا جوعا حتى الموت أو تم طردهم إلى الإمبراطورية العثمانية. والشتات الشركسي حاليا في تركيا هو أكبر بعدة مرات من السكان الشركس المتبقين في شمال القوقاز. حتى ضمن شمال القوقاز، فإن الشركس مقسّمين بين أربع مناطق، وهو الذي يزعج أيضا العديد من النشطاء الشركس.

أصبحت مناقشة فقدان وطنهم تحظى بشعبية خاصة بين الشركس بسبب الحرب الجارية في سوريا، والتي أثّرت على الوعي الشركسي الذاتي بشكل كبير. منذ كانت تعتبر سوريا جزءا من الإمبراطورية العثمانية، كان عدد السكان الشركس بها لا يستهان به. وبعد أن بدأت الحرب هناك، دفع الشركس من أجل إجلاء ما يقدر ب 100،000 شركسي من المناطق المتضررة. غير أن موسكو لم تسمح سوى لعدد قليل من الشركس السوريين — حوالي 1000شخص —  لإعادة التوطين في وطنهم. وعلاوة على ذلك، ليس لديهم حق الإقامة الكاملة، ويستدعي الأمر دفع رسوم مختلفة باستمرار لكونهم مقيمين مؤقتين (Facebook.com/psekups.kulokova, December 1).

ونظرا للخسائر التاريخية للشركس، تضيف الحكومة الروسية للطين بلة، من خلال احياء ذكرى الشخصيات السياسية الروسية الذين حرصت على وجه الخصوص على إزالة الشركس من وطنهم — بما في ذلك القيصر الكسندر الثاني، والجنرال ايفان لازاريف  وغيرهما. واليوم، يضم الشركس أقل من 0.5 في المئة من مجموع السكان من مناطقهم التاريخية، مثل منطقة كراسنودار. فهم يشكلون أقلية في جمهورية أديغيا ، حيث أنّهم حوالي ربع مجموع السكان، وكذلك في كراشيفو – شركيسيا . فقط في أقصى جمهورية في الشرق توجد نسبة جيدة من عدد السكان من الشركس، وهي قباردينو – بلكاريا ، حيث يشكل الشركس بها الأغلبية. إن التراجع الديموغرافي للشراكسة في وطنهم والذي صمّمته روسيا هو بالفعل مرهق جدا لكثير من الشركس لأن يذكروه، لكن الإجراءات الدعائية مثل إقامة النصب التذكارية المكرّسة للأبطال الروس وخصوم الشركس في المناطق الشركسية التاريخية يجعل من هضم ذلك أكثر صعوبة. في الواقع فإن بعض الناشطين الشركس يساوون السياسات الروسية في المنطقة بالفاشية (Facebook, December 1).

إن السياسة الروسية المتمثّلة  بنزع ذاكرة الشركس من وطنهم بالتزامن مع الأعمال الثقافية الروسية قد تبدو أنها سياسة طبيعية للمحتلين لانتهاجها. لكنها، بالتأكيد لا تساعد على تحسين العلاقات بين الأعراق في جنوب روسيا أو أنّها تحقّق سلاماً مستداماً.

المصدر: