اقتصاد روسيا يترنح والتدخل في سوريا عبء جديد (تحليل)


تصر موسكو على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن القوة الوحيدة القادرة على مقاومة "تنظيم الدولة" هي القوات المسلحة السورية، و" ضرورة أن يكون حليفها القديم رئيس النظام السوري بشار الأسد جزءا من الحل"، في سياق تبريرها للتدخل العسكري الأخير من نشر جنود على الأرض وإرسال شحنات أسلحة متطورة وتأمين وحدات سكنية جاهزة إلى قاعدة جوية قرب اللاذقية.

ومهما كان حجم أو شكل التدخل الروسي الذي اعترف به أخيرا وزير الخارجية سيرجي لافروف، فإنه يطرح بعض الأسئلة إن كانت تحتمل روسيا عبئا جديدا يضاف إلى مشاكلها العسكرية والاقتصادية، فإشارة مهمة يمكن التقاطها عند إعلان الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو في الأسبوع الأول من شهر أيلول "أنه تم احترام اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في شرق البلاد لمدة أسبوع كامل"، وهي المرة الأولى منذ اندلاع الحرب بين الجيش الأوكراني والانفصاليين الذين تدعمهم روسيا، تزامن ذلك مع بداية التدخل الروسي في سوريا.

إذا، وجدت موسكو نفسها أمام مشكلة عسكرية وعبء جديد يواجه قدراتها، وهي التي لها وجود عسكري في المناطق السوفييتية السابقة مثل أرمينيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وترانسنيستريا، وقيرغيزستان وطاجيكستان بأكثر من 17 ألف جندي، بحسب ما كشف تقرير لمجلة "نيوزويك" نشر في نهاية عام 2014.

التدخل في مناطق جديدة غير مستقرة يعني مزيدا من الإنفاق العسكري الذي بات يلتهم الميزانية الروسية التي تعاني أصلا من ضائقة مالية بسبب العقوبات المفروضة من قبل أوروبا وأمريكا بعد تدخل موسكو في أوكرانيا، تفاقمت بالتزامن مع هبوط أسعار النفط والعملة "الروبل".

 يرى صندوق النقد الدولي بأن العقوبات المفروضة من الغرب ستضرب 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الروسي بعد أن قدر الصندوق الآثار الفورية للعقوبات والإجراءاتِ المضادة بين 1 و1.5 في المئة من الاقتصاد المحلي، والتي من المتوقع أن ترتفع في غضون السنوات المقبلة بناء على ردة فعل موسكو وما يتخذ من إجراءات بحقها.

أما على المدى المتوسط فانه من المرجح أن يتباطأ النمو الاقتصادي الروسي بنحو 1.5 في المئة سنويا، وذلك بعد أن كان معدل النمو يدور حول 7 في المئة قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008، وخلال الربع الأول من 2015 كان الاقتصاد الروسي قد انكمش بنحو 2 في المئة، والإنتاج الصناعي بنحو 0.4 في المئة.

الإنفاق المتزايد حذر منه الخبير الاقتصادي الروسي المعروف سيرغي غورييف من أن روسيا لن تستطيع أن تحتمل كلفة الإنفاق العسكري الحالي كون بيانات الميزانية للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي أظهرت أن الإنفاق العسكري لهذه الفترة فاق ضعف المبلغ المحدد له في الميزانية، متخطياً نسبة 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الفترة. 

غورييف الذي يعيش الآن في فرنسا بسبب معارضته لسياسة الرئيس بوتين قال في مقال نشر منتصف العام 2015 إن روسيا أنفقت حتى الآن أكثر من نصف جميع ميزانيتها العسكرية لعام 2015. وإذا استمر الإنفاق بهذا المعدل، سوف يفرغ صندوق روسيا الاحتياطي قبل نهاية العام.

روسيا التي خسرت 112 مليار دولار من احتياطيها من النقد الأجنبي خلال 2014، وفقا لبيانات رسمية تلقت ضربة موجعة من قبل الصين التي كانت تعول على تزويدها بمزيد من النفط والغاز خلال العام الحالي وترفع مع بكين من مستوى التجارة البينية والاستثمارات، ما يعتبر أحد التفسيرات لرد الفعل الروسي في سوريا في محاولة لتعويض ما أمكن من خلال ممارسة الضغط على دول المنطقة التي تعارض ذلك الاحتلال لتوقيع اتفاقيات شراكة عسكرية واقتصادية، وهو ما حكم عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مقدما بالفشل.

الصين التي هبطت معدلات النمو لديها بنحو مفاجئ، ترى أن استيراد المواد الخام المستخرجة من احتياطات في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية أكثر جدوى بعكس ما كان يأمل الرئيس بوتين. ووفقا لإحصاءات رسمية تراجع معدل النمو الصيني من 7.7 في المئة في الربع الأول في 2013، إلى 7 في المئة في الربع الثاني من 2015، خفضت من مستوى المستوردات، واستبدلت الاستثمارات في روسيا بأضعاف في كازاخستان.


موسكو تواجه اليوم عزلة أكثر من أي وقت مضى بعد أن ناصبت العداء للولايات المتحدة وأوروبا بسبب الملف الأوكراني وهي تفقد الآن بعدا استراتيجيا آخر مثل الصين ودول في آسيا، يضاف إلى ذلك عبء اقتصادي وعسكري جديد جراء تدخلها في سوريا الذي ستكون نتائجه محسوبة بسبب رفض دول المنطقة ومقاومة شرسة تواجهها على الأرض من قبل الثوار، فهل تتحمل إمكانات موسكو الوضع الجديد؟