الصورة: الأطفال المشاركين في إحياء ذكرى ضحايا الحرب الروسية-الشركسية
بقلم: فاليري دزوتسيف
ترجمة: عادل بشقوي
تعرّض القرويون الشركس في منطقة كراسنودار إلى الضغط من السلطات لتنظيم الحملات من أجل القضية الشركسية. وحتى أطفال المدارس بحسب الأنباء التي وردت جرى مضايقتهم من قبل السلطات، مما أثار ضجة في أوساط الناشطين الشركس. ظهرت التقارير الأولى حول استجواب الأطفال من قبل الشرطة يوم 28 يوليو/تموز عندما قامت الشرطة بجمع الآباء والأمهات مع أطفالهم في قرية بولشوي كيشماي (Bolshoi Kichmai) في منطقة كراسنودار واستجوبتهم حول مشاركتهم في إحياء ذكرى 21 مايو/أيار لضحايا الحرب الروسية-الشركسية. وقد قال مدير مدرسة القرية، ميرزت علييف (Marzet Alieva) لموقع كافكازسكي أوزيل (KAVKAZSKY UZEL) أن أطفال المدارس شاركوا في إحياء ذكرى نهاية الحرب الروسية-الشركسية سنويا خلال العقدين الماضيين، لكن قامت السلطات في إثارة هذه المسألة مع المدرسة، والآباء والأمهات وأطفالهم لأول مرة في هذا العام فقط (Caucasreview.com, July 28).
وكان توقيت وصول الشرطة إلى المدرسة أيضا غير عادي، نظرا لأنه وقع في يوليو/تموز، وخلال العطلة المدرسية. طلبت الشرطة من أطفال المدارس ما اذا كانوا قد شاركوا طوعا لإحياء ذكرى نهاية الحرب الروسية-الشركسية في القرن التاسع عشر، وماذا يعتقدون في هذه المسألة وما إذا أجبرهم أولياء أمورهم على حضور هذه الوقائع ضد رغبتهم. وكان رجال الشرطة أنفسهم من العرقيين الشركس، وفقا لتقارير قام بتزويدها إثنان من الذين يقطنون في سوتشي، وهما شيخ كوبلوف (Shalikh Koblev) وشمس الدين نوغوج (Shamsudin Neguch) (Caucasreview.com, July 28).
ومنطقة كراسنودار الحديثة هي واحدة من المناطق الرئيسية للشركس قبل الغزو الروسي في القرن التاسع عشر. بعد أن تعامل الجيش الإمبراطوري الروسي بإسداء الضربة القاضية للقوات الشركسية الصغيرة في عام 1864، في محيط ما يعرف اليوم بمدينة سوتشي، وسرعان ما تبعت الدولة الروسية ذلك بطرد السكان الشركس المتبقين للدولة العثمانية وإعادة توطين من هم من أصل روسي وقوزاقي في أراضيهم. وكانت الخطة الكبرى للدولة الروسية في حينه هي تحويل البحر الأسود إلى بحر داخلي ضمن الإمبراطورية الروسية. وقف الشركس في طريق الخطط القيصرية وعانوا طرداً تاماً تقريباً من وطنهم. ويتألّف الإثنيين الشركس فقط من حوالي نصف في المئة من مجموع خمسة ملايين نسمة في منطقة كراسنودار الحديثة.
على عكس شمال شرق القوقاز، فإن شمال غرب القوقاز كان هادئا من الناحية الأمنية. وهذا يعني أن المضايقات التي يتعرض لها الأطفال الشركس في منطقة كراسنودار ليست حول المخاوف الأمنية الروسية، وإنما هي سياسة حكومية منها للضغط والترهيب المتعمد ضد أقلية عرقية صغيرة.
المدير السابق للمدرسة في البولشوي كيشماي ونائب رئيس المنظمة الشركسية المحلية، أصلان غفاشيف (Aslan Gvashev) قال لموقع كافكازسكايا بوليتيكا (Kavkazskaya Politika) أن سلوك الشرطة الغريب يبدو وكأنه محاولة لتخويف السكان. وقال أنّهُ “قبل شهر واحد من استجواب تلاميذ المدارس، استدعت الشرطة منظمي الفعاليات بمناسبة يوم الذكرى والحزن الشركسي وأجرت محادثات معهم”. “لقد سؤلت، على سبيل المثال، لماذا تحدثت في لغتي الأم، وما إذا كنت غذيت الصراع بين الأعراق”. وتوقع غفاشيف أن السلطات لن تنجح في تخويف الشركس وأن مثل هذه الأعمال من شأنها أن تثير غضبهم وتزعجهم فقط (Kavkazskaya Politika, July 30).
تصرفات الشرطة في منطقة كراسنودار أغضبت بالفعل النشطاء الشركس في المنطقة وخارجها. وقال أصلان بشتو (Aslan Beshto) لكافكازسكي أوزيل، وهو ناشط شركسي من قباردينو – بلكاريا الذي يرأس منظمة الكونغرس القباردي (Kabardian Congress) أن السلطات تحاول اصطناع التطرف في منطقة كانت غائبة من أجل تبرير التمويل الحكومي لمكافحة التطرف. ووفقا لبشتو، فإن الاتجاه ليس جديدا، حيث عقدت السلطات بهدوء محادثات مع زعماء الشركس، في محاولة لإقناعهم إسقاط حدث سنوي لإحياء ذكرى ضحايا الحرب الروسية-الشركسية. واضاف “انهم يقيمون نصب تذكارية في مدن منطقة كافمينفودي (Kavminvody) [جنوب منطقة ستافروبول (Stavropol)] لإحياء ذكرى جزاري الشركس، وفي الوقت نفسه يقولون لنا أن ننسى تاريخنا” حسبما قال بشتو في المقابلة. الزعيم الشركسي من كراشيفو-شركيسيا، محمد شيركيسوف (Muhamed Cherkesov) قال لموقع كافكازسكي أوزيل أنه يجب على السلطات أن تمتنع عن إجبار الشركس على إسقاط ذكرى مأساتهم، قائلا انه “غير أخلاقي وغير إنساني إجبار الشركس أن ينسوا تواريخهم المأساوية”. ووفقا لشيركيسوف، فإن الشركس لا يحملون ضغينة ضد الحكومة الروسية، على الرغم من أن الحكومة فشلت في أن تذكر خلال حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 2014 أن الشركس هم السكان الأصليين لمنطقة سوتشي. وقال شيركيسوف أن “روسيا ليست أحادية الإثنيّة، لكنها دولة متعددة القوميات”. “انها ليست مثل فرنسا أو انجلترا أو ألمانيا. جمعت روسيا الأراضي مع السكان الذين يعيشون عليها، ولذا يجب على روسيا أن تنتهج سياسة المحافظة على هؤلاء الناس، وليس تدميرهم (Kavkazsky Uzel, July 31).
ويطلق على سياسة “جمع الأراضي مع السكان” قسرا بالغزو العسكري، ولكن في لغة روسيا الرسمية اليوم، غالبا ما يتم استبدال مصطلح “الغزو العسكري” بمجرد وصف يستخدم لمجرد ملء الفراغ “إدراج الأرض إلى روسيا”؛ وتستخدم عبارات ملطفة أخرى لتحريف تاريخ المناطق التي يتم إخضاعها. حتى محاولات متواضعة من قبل الشركس لاستعادة تاريخهم ينتج عنه رداً قاسياً على نحو غير متناسب من قبل الحكومة الروسية، وذلك لا يفضي إلى حل دائم للخلافات القائمة.