الفلك والنجوم عند الشراكسة (الاديغة)


"الأديغه" هو الاسم الوطني الذي عزف به الشراكسة وتاريخه يمتد إلى عصور مغرقة في القدم.

لقد قام الشراكسة ببناء ثقافتهم القومية المميزة المادية منها والروحية على مر العصور. وتشمل ثقافتهم ما يسمى "الأديغه خابزه" أي العادات والتقاليد الشركسية التي تتكون من مجموعة من الأنظمة والقوانين وهي الأعراف غير المكتوبة. فهذه الأعراف تحكم علاقات أفراد العائلة الواحدة، كما تحكم المجموعات والمجتمع الشركسي بكامله.

إن المعرفة التطبيقية للأديغة فيما يتعلق بالبيئة، ونظرتهم الكونية، وملاحظاتهم للطقس والفصول وللتعويذات، وتقومهم الزمني لا تقل غرابة عن عاداتهم وأعرافهم. 

كان المغامر الشركسي الرحالة لم يكن ينطلق بحثا عن المغامرات إلا حبا بالخيول (حيث يعرف عنهم أنهم مغرمون بالخيول)..يقول الكاتب حميد قارموقة إن ذلك الرحالة الشركسي الذي كان يقطع الفيافي بين نهر الكوبان ونهر الدون مهتديا بالنجوم المتألقة بالسماء كان يعرف أسماءها (بالشركسية) إلى حد انه كان يصل حتى ضفاف نهر (يندل) كما يسميه الشركس واسمه الحالي الروسي (الفولغا) دون أن يضيع عن طريقه ..كان الفارس الشركسي يهتدي مثلا بمجموعة الأشقاء السبعة (أي الدب الأكبر) أو بنهر المجرة (درب التبانة) حسب المصطلح الشعبي حاليا ولم يحدث قط أن ضل عن طريقه . كان أكثر النجوم أنيسا للفارس الشركسي هو نجم القطب (الشركس يسمونه الدليل أو النجم المتوحد)

ومن التي أطلق الشركس عليها اسماء:

النجم العصا كان جدي يقول وهو من مواليد القفقاس انه لدى ظهور هذه المجموعة يبدأ نضوج العنب ..ومن أسماء النجوم بالشركسيةالنجم الشارد أوالمتمرد أيضا. نجمة الصبح(كوكب الزهرة) اضف على ذلك الثريا ..

يقول المثل الشركسي (ينبلج الفجر عند استدارة الشقاء السبعة-الدب الأكبر)

..لاحظ قدماء الشراكسة أن من علائم الانتقال من فصل على فصل ظهور مجموعة الثريا أيضا متى تظهر من الأرض ومتى تطل على المزروعات ومتى تتغلغل في ذرى الأشجار ثم متى تعود إلى الأرض ..كانوا يرون أن ظهور الثريا من الأرض هو في فترة الاعتدال الربيعي (22-21)آذار إذ كان النهار والليل يتساويان في تلك الفترة..وأطلقوا على فترة الاعتدال الربيعي (رأس السنة الجديدة) وأما فترة إطلالة الثريا من أو على المزروعات في يومي (21-22حزيران) بكلمة أخرى يكون الليل قصيرا والنهار طويلا فغن الصيف قد حل ..ولدى عودة الثريا إلى الأرض في 21-22) كانون الأول خلال فترة كون النهار قصيرا والليل طويلا فذلك يعني حلول فصل الشتاء

وهنا لا بد من الإشارة بأن (الأديغة)، مثل عدد من الشعوب الأخرى، لم يتابعوا ولم تهمهم مسألة كشف العلاقات الزمنية والتوقيتية للأيام والأشهر والسنين. فقد اتخذوا من الشمس والقمر والنجوم فقط أدلة لهم. فمثلا كانوا يحددون الفترات الزمنية للفصول بواسطة (فاجوبا)، إحدى مجموعات النجوم الثابتة أو الأبراج "وهو برج الثور".

ولا تزال هنالك دلائل تعبيرية لغوية تظهر في اللغة الشركسية الحديثة تقولهم "لقد خرج فاجوبا من الأرض" ويعنون بذلك وقت الإنقلاب الشتائي. حيث كان يحدد التغيير من فصل الى فصل بهذه الطريقة.

فالسنة الشركسية كانت تبدأ في وقت الاعتدال الربيعي ( 21 – 22 اذار حسب التقويم الحديث ). وقد كان يتم تعداد الأشهر بدل تسميتها حيث كانوا يقولون : الشهر الأول للربيع، الشهر الثاني للربيع وهكذا. مع ذلك كان هناك اسماء لبعض الأشهر. فعلى سبيل المثال كانت تطلق الأسماء و الألقاب التالية على شهر تشرين الثاني ( نوفمبر ) : الشهر الثالث للخريف، الشهر الأخير من الخريف، شهر احضار التبن، شهر الحاق الخراف بالقطيع، شهر الصيد الخ.

ومن ميزات التقويم الشركسي الملفتة للانتباه انه يميز و يبين الأربعين يوما الأشد حرارة في السنة في الفترة الحارة من السنة، و الأربعين يوما الأشد برودة في السنة في الفترة الباردة من السنة. حيث كانت الشراكسة يستخدمون كلمة ( شلة ) للتعبير عن هذه الفترات الأشد حرارة و الأشد برودة في السنة و التي يتكون كل منها من أربعين يوما . ففترة ( الشلة الحارة ) كانت تبدأ بعد خمسة و عشرين يوما من ( نظر فاجوبا الى الحصيدة ) و هي خمسة و عشرون يوما بعد الانقلاب الصيفي ( 21 – 22 حزيران من التقويم الحديث ) . أما ( الشلة الباردة ) فقد تبدأ بعد خمسة و عشرين يوما من الانقلاب الشتائي ( 21 – 22 كانون الأول حسب التقويم الحديث ).

ان الأسماء المدرجة في هذا التقويم هي الأسماء الأكثر انتشارا بين جميع شعوب الأديغة، وهي التي ترتبط بعاداتهم وطقوسهم. وقد اوردناها هنا على اعتبار انها ستكون ذات اهمية عملية لاعادة احياء الثقافة الوطنية التقليديـة الشركسية. فليس اعتباطـا ما يقوله المثـل الشركسي ( الذكاء و المعرفة لا يقدران بثمن، اما التعليم و التطوير فانهما بلا حدود ).

facebook.com