رسالة مفتوحة بشأن الإبادة الجماعية الشركسية

رسالة مفتوحة خجولة بتعبيرات عشوائية

عادل بشقوي

نُشرت رسالة مفتوحة إلى قداسة البابا فرانسيس في صحيفة “حريت ديلي نيوز” التركيّة في 15 أبريل/نيسان 2015 ، كتبها “كاتب - صحفي تركي” (كما وصف نفسه في الرسالة)، مضيفا بأن والده وجده هم من الأتراك كذلك، لكن “والد جدّه لم يكن تركياً بالمعنى الإثني واللغوي للكلمة. لقد كان {شركسياً}” (hurriyetdailynews.com).

مع كل الاحترام والتقدير لقداسة البابا فرانسيس، فإن تفسيراً لمثل هذه المسألة المهمة يحتاج إلى أن يتم بمزيد من الدّقة والتوازن. والمدهش في الأمر أن نرى في المقال أن “الإبادة الجماعية الأرمنية” قد ذكرت في صحيفة تركية، في حين أن الكارثة الشركسية الكبرى وصفت بوصف “التطهير العرقي” بدلا من الإبادة الجماعيّة، في حين يشطح إلى “البلقان” وللمآسي التي وقعت هناك. وفقط للشرعية والصواب، من السهل الإشارة إلى تعريف إصطلاح “الإبادة الجماعية”، ويمكن العثور عليه في 80 لغة مختلفة

بغض النظر عما إذا بيّنت الرسالة أن “الكاتب – الصحفي” أراد أن يصر على هويته التركية: “أود أن أبدأ ربما بالقول أن كوني تركياً”، أو أنّهُ أراد أن يؤكد على ما وصفه بِأن، “والد جدّهٌ لم يكن تركياً بالمعنى الإثني واللغوي”، وهو خيار الكاتب – الصحفي نفسه، لكن ليس من المستحسن تمثيل أمة، حُرمت من حقها الأساسي بوجود هويتها الخاصة بها في وطنها، وهي أمة حُرمت من حقوقها الأساسية بسبب الإبادة الجماعية!

ومع ذلك، فإن الإهتمام الشركسي الرئيسي هو الشرعية، وهذا هو “تسمية الأشياء بأسمائها”. فمن الصحة بشكل جزئي القول أن “الإمبراطورية الروسية، تحرص دائما على الإحتلال كما هو عليه الحال حتى اليوم، حيث غزت القوقاز في أواخر القرن التاسع عشر”، مع العلم أن الحرب الروسية - الشركسية استمرت لمدة 101 سنة (1763 – 1864)؛ لكن ليس متوقّعاً من “الكاتب – الصحفي” الذي يرتبط برابطة القربى “بوالد جدّه الشركسي”، الذي تحمل كل ما تحمله الشركس الآخرين خلال الغزو الاستعماري الروسي على وطنهم، بأن يحذف الحقائق ذات الأهمية، والتي كان ينبغي الإشارة اليها، حيث أن الحرب أسفرت عن التدمير والقتل والاحتلال والتطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد نصف السكان الشركس، إلى جانب ترحيل 90 ٪  من الشركس الباقين إلى الإمبراطورية العثمانية.

لقد كان من الأفضل الإشارة إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية من قبل الجمهوريات الشركسية، التي هي جزء من الاتحاد الروسي الحالي ومطالبتهم للحكومة الروسية الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية وفقا للحقائق التاريخية. وأُخذ ذلك بعين الإعتبار من خلال التقرير الذي قُدِّم إلى البرلمان الجورجي بعنوان “الإبادة الجماعية للشركس تاريخ المشكلة، وتأريخ الأحداث، والاستنتاج العلمي” وذلك عندما تم الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية رسميا من قبل برلمان جورجيا (justicefornorthcaucasus.info).

وعلاوة على ذلك، أظهر الأرمن في الولايات المتحدة الأمريكية لفتة معبرة نحو الشركس. في فبراير/شباط 2014، أعلن ممثلو الطوائف الأرمنية في الولايات المتحدة الأمريكية، “المنضوية ضمن منظمات وجمعيات”، ما يلي: “1. إدانة سياسات الدولة الروسية، التي نظمت الإبادة والترحيل للشركس خلال الأعوام 1861 – 1864، مما أدى إلى تغييرات جذرية في الوضع الديموغرافي في القوقاز، واعتبار يوم 21 مايو/أيار يوماً للإبادة الجماعية الشركسية. 2. حث حكومات جمهوريتي أرمينيا، وناغورنو كاراباخ، وجميع المنظمات الأرمنية في جميع أنحاء العالم الانضمام إلينا وتوقيع بياننا” (justicefornorthcaucasus.info).

وفقا لذلك، وفي ضوء المكاسب الشركسية عبر تقدمهم نحو استعادة حقوقهم المصادرة، وكذلك المقال العرضي المنشور في صحيفة “حريت ديلي نيوز” التّركيّة، تم إرسال رسالة (منشوره أدناه) في هذا الصدد إلى “الكاتب - الصحفي” المعني توضّح ضرورة ذكر الحقائق حول المحنة الشركسية بموضوعيّة.

———————

عزيزي السيد مصطفى أكيول (Mustafa Akyol)،

أنا شركسي كذلك، ولأول وهلة، عندما رأيت رسالتكم بعنوان: “رسالة مفتوحة إلى قداسة البابا فرانسيس” (hthurriyetdailynews.com)، أعتقدت أن زميلاً شركسياً وهو “كاتب – صحفي” يتحدث باسمي وباسم الشركس الآخرين فيما يتعلق بالفظائع التي تعرّضت لها الأمة الشركسية.

ولكن، يؤسفني أن أبلغك بأنني أصبت بخيبة أمل وشعرت بالصدمة لأن الرسالة لم تصل إلى حد عكس كل الحقيقة والمعلومات الصحيحة بشأن المحنة الشركسية.

إن ”الإبادة الجماعية الشركسية” غير مذكورة سواء عن قصد أو عن غير قصد، ولكن لا ينبغي أن تؤخذ مثل هذه القضية الهامة بمثل هذه الطريقة غير الجدية.

أنا مندهش لرؤية المصدر الّذي اعتمدت عليه للحديث عن الفظائع الشركسية، والذي يشير إلى مصدر يقوم بتغيير معلوماته وتصويره لبعض الحقائق باستمرار. قبل بضع سنوات، نشرت ويكيبيديا المعلومات على اعتبار أنّها إبادة جماعية شركسية، لكنها تراجعت عن ذلك وأعادت الوصف في وقت لاحق ليصبح تطهيراً عرقياً!

ويمكن أن آتفهم أنه لا يمكنك استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية الشركسية” في صحيفة تركية، فكيف يجوز إذن استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية الأرمنية”، وفي نفس صحيفة “حريت” التركية؟

لقد اتصل الشركس بالقيادة الروسية، ومجلس الدوما الروسي، والبرلمان الأوروبي من أجل لفت الانتباه إلى الأمة المنسيّة. واتّصل الشركس أيضا بالجورجيين مما أدى إلى عقد مؤتمرات تناولت موضوع “القضية الشركسية”، حيث قام النشطاء الشركس بتقديم رسالة إلى البرلمان الجورجي للاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية اعتمادا على الحقائق والوثائق المتاحة في الأرشيفات الروسية والجورجية، وتم الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية في 20 مايو/أيار 2011. وتم تشييد نصب للإبادة الجماعية الشركسية في أناكليا على البحر الأسود إحياءا لذكرى الضحايا الشركس.

في مقال نشره المؤرخ السياسي والباحث الفنلندي، أنتيرو ليتزينجير (Antero Leitzinger) في نشرة “غلوبال بوليتيشين (Global Politician)” بعنوان الإبادة الجماعية الشركسية، ذكر ان “الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الأمة الشركسية من قبل روسيا القيصرية في ذلك الوقت، كانت أكبر إبادة جماعية حصلت في القرن التاسع عشر (justicefornorthcaucasus.info). ومع ذلك، فقد أُهملت تماما على وجه التقريب فيما بعد، في حين يعلم الجميع عن المحرقة اليهودية التي حدثت في وقت لاحق وكذلك سمع الكثيرون عن الإبادة الجماعية للأرمن. “بدلا من البحث الذي تم عن الإبادات الجماعية بشكل منفصل وانتقائي، يجب أن نتحدث عن وجود اتجاه عام للإبادة الجماعية التي أثرت على الكثيرين – مسيحيين ومسلمين - من الناس على مسرح واسع بين الأعوام 1856 و 1956، والمستمر في مرحلة ما بعد روسيا السوفيتية حتى اليوم”، وذلك حسبما كتب أنتيرو ليتزينجير. وقد نُشر هذا المقال في الأصل في صحيفة “تركستان نيوز (Turkistan News)”.

وتبين الروابط التالية مراجع موثقة تثبت الإبادة الجماعية الشركسية:

الدليل على الإبادة الجماعية الشركسية من الأرشيفات لوالتر ريتشموند


شمال غرب القوقاز: الماضي والحاضر والمستقبل لوالتر ريتشموند


الإبادة الجماعية الشركسية (الإبادة الجماعية، والعنف السياسي وحقوق الإنسان) لوالتر ريتشموند


دع شهرتنا تكون عظيمة: رحلات بين الشعب الجريء في القوقاز لأوليفر بولو


حكايات النارتيين عند الشركس لأمجد جموخة


إن هدف رسالتي هو الثبات والإصرار على الحقائق، على أمل أن تتفهم رغبتي في نشر المعلومات حول الشركس بالأسلوب الذي يود الآخرون أن يُظهروا قضايا مماثلة.

مع أطيب التحيات،

عادل بشقوي.