جهود الشباب الشركس المباركة


بقلم: عادل بشقوي
16 يناير/كانون الثّاني 2015 

ترتقي وتنمو وتزدهر الأمم والشعوب، كنتاج حتمي لثمار الهمّة العالية والجهود والشعور بالواجب والالتزام من قبل الأشخاص والأفراد المخلصين الذين يشعرون بأنهم ملزمون أخلاقيا لتقديم العون في الأوقات التي تقتضي الحاجة والضرورة الحفاظ على إرشاد مكرّس من أجل إنقاذ وجودهم وبقائهم كأمّة محترمة وكريمة بين الأمم الأخرى التي تسعى على قدم المساواة للحفاظ على استمراريّتها وسيادتها وهويّتها، والتي هي ضرورية لبقائها القومي.

وبفضل الدافع الذاتي والقيم الأساسية الداخلية للشباب الشركس، الّذي يشهد حقيقية الوعي المرتفع والأداء الرائع فيما يتعلق بمهمته الهامّة والمصيريّة، على العكس مما يحاول البعض فرضه. ويمكن وصف ذلك بأن: “الأرقام لا تكذب، لكن الكاذبين يتلاعبون بعرض الأرقام”. إنه موضع تقدير لملاحظة أسلوب المشاركة في التعامل مع أمور ذات صلة بِ”القضية الشركسية”. أظهر جيل الشباب الشركسي في السنوات الأخيرة، تفاعلاً صادقاً ورائعاً والذي حفّز الإهتمامات وليكونوا على دراية بجميع المسائل المتعلقة بقضيتهم العادلة، وبالتالي العمل من أجل تسليط الضوء على العناصر الشركسية الهامة للمجتمع الدولي، بالإضافة إلى التّمسك بالطّموحات والقناعات المستقبليّة من أجل إستعادة الحقوق الشركسية المصادرة. إن إستخدام وسائل الإعلام وخاصة ما يتعلق بالمعرفة وأدوات التكنولوجيا الفائقة (High Tech) بما في ذلك الاتّصالات الحديثة والإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، ساعد على إيجاد: برامج لتعليم لغة الأديغه والثّقافة والأطفال وحيثيات التاريخ الشركسي الموثق وغيرها.

ولا ينبغي أن يقتصر الشّكر على مجتمع شركسي معيّن، سواء في الوطن أو في الشتات الواسع، بل للشراكسة في كل مكان. لكن الامتنان مستحق لأولئك الذين يقومون بالعمل الاستثنائي من أجل المصالح الشركسية الهامّة في وضع صعب وخاصة للذين يعيشون في وطنهم، وعليهم أن يتحملوا أحوالاً إستثنائية تمليها قوانين الغرباء الذين أملوا الشروط والظروف التي صادرت حقوقهم الإنسانية باعتبارهم شعباً أصلياً يعيش في ستة مناطق إدارية مختلفة وغير متجاورة من شركيسيا.

أظهر الشباب الشركسي على نحو متزايد في السنوات الأخيرة، مؤيّداً من قبل الشعب الشركسي جنبا إلى جنب مع النشطاء، الاهتمام الهائل وغير المسبوق الذي أثبت وأوجد العزم والتصميم والتفاني والإيثار في العديد من المجالات والأنشطة المختلفة في العديد من البلدان بما في ذلك الوطن. لقد تظاهروا للفت الانتباه إلى القضية الشركسية، الّتي تجمع بين التّداعيات المشؤومة  والتطورات المعاصرة، والمستجدّات ذات الصلة. لقد تم تناول الموضوعات الهامة مثل الإبادة الجماعية الشركسية والتطهير العرقي والتهجير القسري وألعاب سوتشي الأولمبيّة والسياسات الروسية المتعنّتة والمتعلّقة بتجاهل الأمّة الشّركسيّة. شملت النشاطات المظاهرات وإحياء الذكرى والاجتماعات والمؤتمرات والمعارض واللقاءات الإعلامية والأنشطة المتعددة في بلدان مثل تركيا والأردن والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الاوروبية الى جانب شمال القوقاز.

ويسلط الضوء فيما يلي على سبيل المثال لا الحصر، على مقتطفات من بعض الفعاليات والأنشطة التي جرت خلال السنوات القليلة الماضية وتتّصل بشمال القوقاز، والتي ترتبط بما حدث في الماضي وما زال يحدث في الوقت الحاضر في الوطن الشركسي:

في نالتشيك، وفي السابع من فبراير/شباط من عام 2014، ألقت الشّرطة الرّوسيّة القبض على أكثر من 50 من المحتجّين السّلميّين الشراكسة ضد أولمبياد سوتشي. اعتقل النشطاء الشركس في عاصمة قاباردينو – بلكاريا بعد أن “ شكّلوا قافلة تألّفت من عشرات السيارات وتوجهت إلى وسط المدينة. ورفع المحتجّون أعلاماً شركسيّة من نوافذ السّيّارات، وأيضا التلويح بلافتة كتب عليها باللغة الإنجليزية عبارة “سوتشي – أرض الإبادة الجماعية”. وكما جرت العادة، فإن المحتجّين الذين أطلق سراحهم، تعرّضوا للضرب والتعذيب. وعلى وجه الخصوص، “أقر تقرير شهود عيان أن الشرطة اضطّرّت لحمل أنزور أخوخوف (Anzor Akhokhov) إلى قاعة المحكمة لتلاوة قرار العقوبة عليه، حيث أنّهُ لم يكن في حالة تسمح له التحرك بشكل ذاتي نتيجة للضرب الّذي تعرّض له في مركز الشرطة”. وقال شقيقه أصلان بك أخوخوف (Aslanbek Akhokhov) – “غطّت الكدمات أنحاء جسمه — وجهه ويديه وساقيه، هناك علامات في كل مكان نتيجة للضرب المبرّح” (http://www.interpretermag.com/putin-blames-circassian-protests-on-the-west-amid-arrests/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=putin-blames-circassian-protests-on-the-west-amid-arrests).

وللمرة الأولى على الإطلاق، ذكر الرئيس الروسي الشّركس بادّعائهِ بأن الغرب يستغل القضيّة لمصلحته، حيث اعترف تلقائياً أن هناك قضيّةً شركسية، والتي أثبتت روسيا أنها تمتنع عن تقديم تسوية عادلة لها!

قاوم الشركس المخلصين لأمتهم، الذين يتوقون إلى التركيز على معالجة القضية الشركسية في جميع السبل والوسائل الممكنة الأكاذيب، الّتي حاولت روسيا تحقيقها من خلال دعايتها إدّعاءا مضللاً لما سُمّي ذكرى الإحتفاء مع بعض البيروقراطيين الشراكسة والقوقازيين الذين هم من الموالين والمتعاونين مع السلطات الروسية، الّتي لا تزال تسيطر على شمال القوقاز (http://www.kavkazcenter.com/eng/content/2006/09/11/5542.shtml)، للاحتفال بذكرى “ما يسمّى” مرور 450 عاما من الإنضمام الطّوعي إلى روسيا، الّذي تم الإحتفال به “رسميا” بين 7-9 سبتمبر/أيلول 2007، بمشاركة أفراد من الشتات الشركسي، الذين يرتبطون بعلاقات مميزة مع الجمعية الشركسية العالمية التي تدعمها روسيا، والذين قبلوا دعوات للمشاركة في المهرجانات الروسية. إن مثل هذا الإدّعاء الكاذب لم يحدث أبداً إلا في مخيلة أولئك الذين حاولوا فرض مثل هذه الفكرة غير الواقعية، في حين افتراض جهل جميع المتورطين في مثل هذه الكذبة الكبيرة، والتي تقصد خداع الرأي العام. كل ذلك في ظل تناقض مع واقع الاحتلال الإستعماري الروسي للوطن الشركسي وتجاهل كل الإعتبارات أو الالتزامات الأخلاقية والمعنوية تجاه الأمة الشركسية التي فقدت نصف سكانها خلال “الحرب الروسية – الشركسية” التي دامت 101 عاماً عندما تعرض الشركس إلى القتل والإبادة الجماعية والإفناء والترحيل والتعذيب والإذلال من قبل جحافل القوات الغازية.

لم يستغرق التناقض الروسي وقتا طويلا ليتّضح بعد الإحتفالات الرّوسيّة المزيّفة، وليثبتوا أنهم احتلّوا شركيسيا عبر التدخل العسكري، ولم ينضم الشّركس مطلقاً بشكل طوعي إلى الإمبراطورية الروسية المستبدّة! رد ألكسندر جورافسكي (Aleksandr Zhuravsky)، رئيس الدائرة الدولية في وزارة التنمية الإقليمية الروسية في ديسمبر/كانون الأوّل 2012،  على رسالة بعث بها آدم بوغوص (Adam Bogus)، رئيس الجمعيّة الشركسية (Adyge Khase) في جمهورية أديغيه (Adegea) لسيرغي ناريشكين (Sergey Naryshkin)، رئيس مجلس دوما الدولة، مطالباً فيها موسكو توفير المساعدة لشراكسة سوريا للعودة إلى وطنهم، الّتي تم تحويلها إلى وزارة التنمية الإقليمية الروسية للنظر فيها. وأثارت رسالة الوزارة الغضب بعد أن تم نشرها على نطاق واسع، لأنها ذكرت أن: “شراكسة سوريا هم من أحفاد اللاجئين من بين شعوب الأديغه من شمال وغرب القوقاز الذين لم يقبلوا الجنسية الروسية واختاروا طوعاً مغادرة المنطقة بعد الانتهاء من العمليات العسكرية في سياق حرب القوقاز” (http://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251672464).

-  وهناك مثالاً قوياً من الولاء الحقيقي والإرتباط بالوطن الأم  والأمة، كان قد تم الإعراب عنه من قبل أولئك الذين شاركوا وتوصلوا إلى نتائج رائعة بعد عقداجتماع استغرق يوماً واحداً خلال حدث كبير عقد في 12 سبتمبر/أيلول 2009، في شركيسك، عاصمة جمهورية كراشاي – شركيسيا، تحت عنوان “منتدى الشباب الشركسي”، الذي حضره الشباب النشطاء الشركس الذين هم أعضاء في فروع الجمعيات الشركسية والكونغرس الشركسي ومنظمات ناشطة أخرى، والذين جاءوا من الجمهوريات والمناطق الشركسية إلى جانب جمهورية أبخازيا في منطقة شمال القوقاز، لمناقشة القضايا المهمة التي تهم الأمة الشركسية سواء في الوطن أو في الشتات.

النقاط الثماني التي وردت في “قرار منتدى الشباب الشركس (Adygeya)” الواردة في الإعلان (http://www.natpress.net/engine/print.php?newsid=3693)، وعقب الاجتماع، بدابمثابة “المارد الذي خرج من القمقم” بعد 145 عاما من “السّبات العميق”، والذي اعتُبر بكل المقاييس، محاولة ناجحة جداً للجهود التي بذلت من قبل كل هؤلاء الشّباب الشركس الشجعان الذين يبدو بأنهم لم ينسوا أبدا واجباتهم تجاه أمتهم الشركسية.

التّالي ملخصاً للنّقاط الثماني:

1. إنشاء “مجلس تنسيقي للشباب الشركس”.

2. دعم قرار توحيد اسم الإثنيات الفرعية للأديغه المجزّأة عمداً: القباردي والأديغه والشركس والشابسوغ والاعتراف باسم “شركيسيا” باعتبارها أمّة واحدة.

3. دعو الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة (ICA) لإيجاد “اليوم العالمي للعلم الشركسي”.

4.مخاطبة الأكاديمية الدولية الأديغيّة للعلوم ووزارات التعليم من جمهوريات قباردينو – بلكاريا وكراشيفو – شركيسيا وأديغيا لإصلاح منهاج تدريس اللغة الأم.

5. الطلب من الأكاديمية الروسية للعلوم لتنظيم مؤتمر علمي-عملي للاحتفال: “بالذكرى السنوية 180 للبعثات العسكرية الإستكشافية الأولى إلى جبل البروز، التي قام بها الجنرال ايمانويل، والقائد الفذ من قباردي كيلر خاشيروف (Kilar Khashirov)“.

6. تخويل مندوبين من المنتدى في المؤتمر القادم للجمعيّة الشركسية العالمية للتصرف نيابة عن الشباب الشركسي وأن يكون ممثلين للشباب في اللجنة التنفيذية للجمعية.

7. مطالبة الجمعية الشركسية العالمية إنشاء لجنة لمواجهة التزوير التاريخي.

8. مخاطبة رئيس الفيدراليّة الرّوسيّة فيما يتعلق بتزوير التاريخ وعرض اعتماد قانون العودة للشركس إلى وطنهم.

ان الشركس الأوفياء من شأنهم أن يثبتوا أنه لا يوجد أيٍ كان ولا بأي شكل من الأشكال يمكنه إختطاف أو الاستيلاء على المقدرات والنتائج التي اكتسبت،  من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو إنتهازية، وفي الوقت نفسه، فإنّه من الواضح الآن أن البصيرة والتقنية والتنسيق، والتي تربط كل الشركس المخلصين معا، من شأنه أن يمهد الطريق ويؤدي إلى نتائج مثمرة، والنجاح سيكون لا مفر منه.

لا يوجد خطأ في التغيير، إذا كان في الاتجاه الصحيح. “ونستون تشرشل”