بحثت مارينا قردن مشاكل العودة إلى الوطن في مقالة نشرتها في صحيفة أديغة ماق ( صوت الشركس ). تتساءل مارين : هل السبب في عدم العودة إلى الوطن هو فقدانه لجاذبيته أم نسياننا للوطن الأم؟ حاولت الكاتبة الإجابة على هذين السؤالين عبر المقالة التالية :
مارينا قردن
نقول بأسى أن الكثيرين يعتبرون أن المكان الذي يقدم لهم إمكانية حياة أفضل هو وطنهم و ليس المكان الذي ينحدرون منه لهذا السبب يمكننا أن نلحظ أن العودة تكون في البلاد التي تقدم الدعم للعائدين. و السبب في ذلك غاية في الوضوح و الجلاء و هو أن كل شخص يجري وراء مصلحة ما. فأسباب عودة اليهود و الألمان و الروم إلى بلادهم ليست لأنهم لا يستطيعون العيش بعيدا عن ذويهم بل لعثورهم على حياة أفضل في تلك البلدان. و تلك الدول بدورها تتوقع الحصول على منفعة ما: فإسرائيل بحاجة إلى جنود على الدوام و ألمانيا و اليونان بحاجة إلى القوة البشرية.
الأديغيون الذين ولدوا و يعيشون في القفقاس لا يحبون قوميتهم و وطنهم بما فيه الكفاية و هم هنا لأن الفرصة لم تسنح لهم بالذهاب إلى مكان آخر. في إحدى المرات سمعت فتاة تقول :"أشعر بالحزن لأن أجدادنا لم يذهبوا إلى اسطنبول، بالله عليكم قارنوا الحياة التي نحياها هنا بتلك التي يحياها أولئك هناك"فاجأني كثيرا ما سمعته. فهل يمكن للنقود و الحياة الجيدة أن تلوث إلى هذا الحد تفكير الإنسان؟ تعتريني الدهشة في كل مرة أقابل فيها أشخاصا يفكرون بهذه الطريقةإن فكرة "كل مكان لا نعيش فيه هو أفضل منا" ليست صحيحة. فبرأيي أن أفضل مكان للإنسان هو بلاده و وطنه إلا أن الكثيرين لا يفهمون هذا.
وإذا كنا نحن لا نعرف قيمة ما نملك فماذا بإمكاننا أن نقول لذوينا الذين يعيشون منذ ما ينيف عن المائة عام في بلاد أخرى يعتبرونها أوطانهم؟ رغم كل هذا يعود بعض ذوينا إلى أوطانهم. ما الذي يمكننا أن نقدمه لهم؟ منزلا يسكنون فيه؟ عمل؟ لا هذا و لا ذاك. هل لكم أن تقولوا لي في أي مجال يمكننا مساعدتهم؟ هل افتتحنا لأطفالهم روضات أو مدارس ليتعلموا فيها لغتهم و يتكيفوا مع الحياة لدى عودتهم؟ إذا كنا لم نفعل أيا من هذا فلماذا إذا نصرخ قائلين "هيا عودوا!" يجب تهيئة أقل الشروط المعيشية كي يتمكنوا من العودة إلى هنا. فإذا ما كانت الحياة التي تحياها إحدى العائلات العائدة جيدة فإن عائلات أخرى أيضا ستحذو حذوها. إلا أننا نفعل العكس و من ثم نعجب للنتيجة التي نصل إليها. ذوونا الذين لا يريدون العودة يقولون "قلوبنا هناك" و هم بهذا قد اختاروا أسهل الطرق. لكننا لا نستطيع الحصول على أية منفعة من هذا ليس سهلا على الإنسان أن يترك كل ما لديه ليأتي مع عائلته إلى بلد مستوى المعيشة فيه أسوأ، و لو كان لوحده لكان أسهل عليه الإقدام على مثل هذه الخطوة يمكننا تقسيم الأديغيين القاطنين في الخارج من حيث ارتباطهم بوطنهم إلى فئات ثلاثة: الفئة الأولى لا تولي أية أهمية للمكان الذي تقطنه. و كي تدرك أن لها وطن يجب أن تواجه مصيبة كبرى و ألا يبقى لديها، نتيجة لهذا، مكان آخر تذهب إليه. و عندما لا تسنح لها الفرصة بالذهاب إلى دولة أخرى فهي تختار وطنها. أما الفئة الثانية فإنها و إن عاشت بعيدا عن وطنها إلا أنها تعرف جذورها و تحاول الحفاظ على لغتها و ثقافتها، كما تقيم علاقات مع القفقاس على قدر إمكانياتها, و هي تريد العودة إلى الوطن لكنها لا تستطيع مفارقة أحبائها و تنتظر تحسن المستوى المعيشي في بلادنا. أما الفئة الثالثة فهي الفئة التي لم تتخل عن فكرة ضرورة العودة إلى الوطن و التي عادت دون أن تلقي بالا إلى كافة المصاعب التي ستواجهها. بالنسبة لي لا داع لتذكير أحد بوجود وطن له أو رجائه أو إجباره على العودة إليه. فكل إنسان يجب أن يعطي قراره بنفسه. إذا ما عملنا جميعا من أجل شعبنا سيكون من الممكن حينها الحفاظ على لغتنا و ثقافتنا و أن نصبح أقوى. و يجب ألا ننسى المثل الأديغي القائل "الوحدة تولّد القوة ـ تيزيقوتمة تيلش".
ملاحظة : نُشرت هذه المقالة بتاريخ 01 شباط 2002 في صحيفة أديغة ماق تحت عنوان "تحليل حول العودة: يجب علينا أن نعمل كما ينبغي"، ترجمها إلى التركية إبراهيم تشيتاو و نقلتها إلى العربية وكالة أنباء القفقاس.
ملاحظة المدون : أصبح هنالك العديد من التغيرات على الساحة في الجمهوريات الشركسية في القفقاس من كافة النواحي , المقال لايعبر بالضرورة عن رأي المدونة أنما ننشره لنعطي فكرة الى قارئ العربية.