بدأت الحكومة الروسية باستهداف الشراكسة من تركيا الذين استقروا في شمال القوقاز، مما أثار غضب الشركس المحليّين. حتى الموالي المعروف لروسيا عسكر سوخت ، وهو ناشط شركسي من منطقة كراسنودار، دق ناقوس الخطر، قائلا ان المستوطنين الشركس من تركيا في قباردينو – بلكاريا قد بدأوا بتلقي رسائل من دائرة الهجرة الفيدرالية الروسية تلغي رسميا إقامتهم القانونية في الفيدرالية الروسية. ودعا سوخت هذه المحاولات “ترحيلاً جماعياً آخر للشراكسة من وطنهم التاريخي.” وأضاف أنه “بموجب ذريعة مختلقة وللاستفادة من العلاقات الروسية – التركية المتوترة، تبذل [بعض القوى] محاولة لترحيل جماعي للمواطنين الشركس الذين عاشوا لسنوات في روسيا إلى تركيا.” ودعا سوخت سلطات الجمهورية في قباردينو – بلكاريا والسلطات الفيدرالية في موسكو لوقف حملة الترحيل (Yuga.ru, January 14)، كما لو كانت الحملة قد بدأت من قبل جهة أخرى غير السلطات نفسها.
وقد توترت العلاقات الروسية – التركية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد أن اسقطت تركيا طائرة حربية روسية كانت تقصف قوات مناهضة للحكومة في سوريا. وقالت السلطات التركية ان الطائرة الروسية اسقطت بعد أن عبرت إلى المجال الجوي التركي. ورافق ذلك حملة علنية مضادة لتركيا في روسيا، مع تعهد الرئيس بوتين بمعاقبة تركيا وقام بإصدار مرسومين يقضيان بفرض عقوبات عليها، بما في ذلك وضع حد لنظام عدم ضرورة الحصول على التأشيرات وعمليات الاستيراد والتصدير بين البلدين وكذلك وضع القيود على أنشطة الشركات التركية. ومن المفارقات، أن روسيا تعتمد على شركات البناء التركية وبعض الشركات الأخرى — خاصة منذ أن فرض الغرب عقوبات بسبب أوكرانيا — حيث أن الحكومة الروسية تستعد الآن للتراجع ورفع العقوبات المفروضة على شركات تركية منتقاة (Deutsche Welle—Russian service, January 15).
تاريخ المستوطنين الشركس من تركيا في شمال القوقاز يعود إلى القرن التاسع عشر، عندما توسّعت الإمبراطورية الروسية في عدة اتجاهات، حيث أخضعت ودمّرتْ دولاً وأُمم. عندما تعاملت جيوش الامبراطورية الروسية بالضربة القاضية على القوات الشركسية بالقرب من ما هو معروف الآن بمدينة سوتشي على البحر الأسود، وأقدمت السلطات الروسية على الإسراع في تغيير الخريطة العرقية للمنطقة. السكان الشركس الذين بقوا تم ترحيلهم إلى الإمبراطورية العثمانية، وتعرض العديد منهم للموت جوعاً، وسمح فقط لأقلية منهم بالبقاء في وطنهم. بعد نهاية الحرب الباردة، بدأ بعض الشراكسة من تركيا بالعودة إلى وطنهم التاريخي في شمال القوقاز. واستوطن المئات منهم في جمهوريّتي قباردينو – بلكاريا وأديغيا، لكن لم تجعل السلطات العملية سهلة للشراكسة الذين رغبوا في العودة.
في يوم 14 يناير/كانون الثاني، قال اتحاد المنظمات القوقازية في تركيا أنه دعا إلى عقد مؤتمر استثنائي للجمعية الشركسية العالمية (ICA)، وهي منظمة أنشئت من قبل أجهزة الأمن الروسية في وقت مبكر من أعوام التسعينيات من القرن الماضي، والتي بدورها سعت لتنظيم العلاقات بين مجموعات الشتات الشركسي في ديار الإغتراب والشركس في شمال القوقاز. وقالت KAFFED انها تشعر بالانزعاج نتيجة المشاكل المتزايدة التي يواجهها العائدين الشركس من تركيا في شمال القوقاز، الذين يواجهون ضغوطا متزايدة متعلقة بتدهور العلاقات الروسية – التركية (Caucasreview.com, January 15).
غير أن الجمعية الشركسية العالمية نفسها قد تعرضت لانتقادات من قبل العديد من الناشطين الشركس لتهاونها وعدم وجود إرادة للدفاع عن المصالح الشركسية. وبالتالي، فإن من غير المرجح أن يغير “أي اجتماع إستثنائي” للجمعية الشركسية العالمية من الوضع.
وفقا لدائرة الهجرة الفيدرالية الروسية في قباردينو – بلكاريا، فإن 90 مواطناً تركياً لديهم حاليا تصاريح إقامة مؤقتة و 104 من المواطنين الأتراك لديهم تصاريح إقامة دائمة. في عام 2015، سجلت ال (FMS) 936 وافداً جديداً من تركيا وأزالت 859 من سجلاتها. وتدّعي السلطات أنه ليس هناك سوى 7 من أصل 26 شخصا من الذين ألغيت تصاريح إقامتهم كانوا من العرقية الشركس. واتهمت السلطات العائدين الشراكسة بانتهاك قواعد التسجيل، بروبيسكا ، التي من المعروف أنّهُ يصعب التنقل بدونها حتى للمواطنين الروس المحليّين. وقيل أن العائدين لم يكونوا يعيشون في العناوين التي تم تسجيلها. والتسجيل في روسيا ليس مجرد إخطار السلطات بمكان إقامة المرء لكن حول الحصول على الإذن بالإقامة في مكانٍ معين، وعملية الحصول على مثل هذا الإذن يعتريه الفساد. وناشط حقوق الإنسان فاليري خاتاجوكوف ، وهو من قباردينو – بلكاريا، دعا حاكم الجمهورية، يوري كوكوف، لوقف ترحيل العائدين الشركس من تركيا، إلا أن الحاكم لم يستجب (Kavkazsky Uzel, January 15).
وفي الوقت نفسه، وضع الخبراء الروس جمهورية قباردينو – بلكاريا في أسفل قائمة تصنيف المناطق الروسية من حيث الإستقرار. ويلاحظ الخبراء انخفاض النشاط الاستثماري في الجمهورية، واستمرار حملة القتل العام، وتراجع الاستثمار في رأس المال البشري (Onkavkaz.com, January 14). ويلاحظ النشطاء الشركس أنفسهم أن العديد من اللاجئين الشركس من سوريا الذين قدموا الى روسيا وشمال القوقاز، اختاروا في نهاية المطاف للهجرة إلى أوروبا أو على الأقل يحاولون القيام بذلك بدلا من البقاء في المنطقة. ويقول الناشط انها إشارة تحذير لقباردينو – بلكاريا وغيرها من الجمهوريات التي يقطنها الشراكسة بأن مواطنيهم يفضلون أوروبا على وطنهم. من ما يقدر بِ 3000 شركسي من السوريين الذين وصلوا إلى روسيا، فإن 40 في المئة، أي نحو 1،200 شخص، واصلوا انتقالهم إلى أوروبا (Ekhokavkaza, January 15).
ونظرا للظروف الحالية فيما يتعلق بالحياة في شمال القوقاز ليس خياراً جاذباً حتى لكثير من اللاجئين الشركس من سورية، ولا يتم ترحيل الشركس الأتراك بسبب وجود فائض من اللاجئين. بدلا من ذلك، يبدو أن السلطات الروسية تستخدم التدهور في العلاقات مع تركيا لتصفية الحسابات مع النشطاء الشراكسة، الذين ضغطوا لعودة الشركس الذين هم على استعداد للعودة إلى وطنهم التاريخي في شمال القوقاز.
الكاتب: فاليري دوتسيف
ترجمة: عادل بشقوي
المصدر: