المرحوم الحاج اسحق لمبز.. فارس البر والاحسان خالدا في ذاكرة «عمان»


الدستور -  محمود كريشان

عمان الهاشمية الأبية.. تلك العاصمة العريقة، الأنيقة.. تزهو دوما بالأوفياء من رجالها والذين تفانوا في العطاء في سبيل نهضتها وعزتها لتكون كما هي الان «جميلة الجميلات».. تشرق بالبهاء.. أردنية مخضبة بعطر الهيل والقهوة، ومدرقة مقصبة بالجوري والدحنون والزعتر..

اليوم نطالع تاريخ الاوفياء من ابناء عمان ونتوقف عند احد فرسان العطاء في الزمن الجميل المرحوم بإذن الله تعالى الحاج إسحق لمبز وهو الذي قام ببناء اعرق الأبنية التراثية في شارع الرضا، وتحديدا بمحاذاة دخلة تكسي النجاح في وسط البلد «عمارة لمبز» حيث تشير المعلومات الى ان شاعر الاردن المحامي مصطفى وهبي التل «عرار» كان يستأجر مكتبا للمحاماة في الطابق العلوي من العمارة المؤلفة من طابقين احدهما مكاتب وفي الاسفل محال تجارية، وهي موجودة للآن تحمل معها عبق الذكريات، تزهو بحجرها الذي انهكته السنوات، لكنه بقي على شموخه المستمد من شموخ عمان.

بناء المساجد وتأثيثها

وفي هذا الخصوص يقول الدكتور الحقوقي امجد نجم الدين ضابط لمبز احد احفاد المرحوم الحاج اسحق لمبز: ان المرحوم بإذنه تعالى الحاج إسحق لمبز تخرج من الازهر الشريف، هو من الرواد الأوائل في تأسيس الجمعية الخيرية الشركسية في عمان وله فضل تقديم منزله ليكون أول مقر للجمعية عند تأسيسها في عام 1932م كما أنه استمر لعدة دورات أمينا للصندوق في الهيئة الإدارية ، بالاضافة لكونه قد تبرع أو أوقف الكثير من أملاكه لصالح الجمعية، وهو اول من ادخل الكتاتيب لمدينة عمان، وهو متقاعد من الجيش التركي. وبين لمبز لـ»الدستور» ان المرحوم اسحق لمبز كان قد تبرع قبل وفاته بجميع امواله لاعمال الخير وللاوقاف، وتبرع بمنزله للكتاتيب وبعدها اصبح مقرا للجمعية الخيرية الشركسية، كما انه اكبر المساهمين في اعمار المسجد الحسيني الكبير وتم تأثيثه وفرشه في اكثر منمرة على نفقة المرحوم لمبز وانه عندما وصل الامير عبد الله الاول بن الحسين «طيب الله ثراه» من الحجاز لشرق الاردن ودخوله مدينة عمان كانت مضافة الحج اسحق لمبز هي أول محطة له، وانه عندما اجتمع الامير عبد الله الاول بوجهاء عمان وكان الحج اسحق على رأسهم مبدياً رأيه ببناء مسجد كبير في وسط المدينة بالاضافة للمساجد الصغيرة التي بناها الشراكسة في مختلف مناطق عمان ومحيطها، وعندها تدخل الحج اسحق قائلاً: «إبشر سمو الأمير بكرا انا بجيب ثلاثمائة مجيدي وبعمر جامع» وضحق الحضور مستغربين من في عمان يمتلك (300) مجيدي في ذلك الوقت، إلا انه صباح اليوم الثاني دخل على الامير عبد الله الأول ووضع في حضنه المبلغ كاملاً لبناء المسجد العماني، وقد سافر المرحوم لمبز الى بيروت واحضر معلمين على حسابه الخاص لتعليم ابناء عمان الدين الاسلامي وحفظ القران والحساب في ذلك الوقت.

عمارة لمبز التراثية

وعلى صلة.. يقول مجدي محمود الحمصي احد شوام عمان ويمتلك متجر «الحمصي» لبيع القهوة والبهارات في العمارة منذ الاربعينيات ان عمارة لمبز من اقدم الابنية في عمان وقد شيدت مطلع العشرينيات من القرن الماضي، مشيرا الى انها كانت بيوتا للشركس ومن ثم تم تأجير الطابق العلوي كمكاتب مستقلة وعيادات وكانت تضم مكتب المحامي مصطفى وهبي التل  عرار وعيادة اقدم الاطباء في الاردن ومؤسس مستشفى ملحس الدكتور قاسم ملحس، ومستودع لابوفاروق المطري يقوم بشراء ما تضبطه الجمارك من دخان وعطور مهربة، وعيادة الدكتور جميل مرقة طبيب عام وكان نقيب الاطباء وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، بالاضافة الى محل الطباع الذي كان يبيع الحبوب والقمح والشعير، وصيدلية الأرمني التي سميت فيما بعد صيدلية البتراء والتي قام بشرائها ابوسلامة الكيالي وهي تعمل للان بذات الموقع، كذلك متجر لسلامة صويص لبيع الادوات الصحية.

واشار الحمصي الى ان شاعر الاردن مصطفى وهبي التل «عرار» كان مكتبه في ذات العمارة وانه كان يضع فوق مكتبه لوحة صغيرة على سبيل السخرية وقد كتب عليها «الطايح رايح» .. ولوحة اخرى ادرج فيها احد الامثال الشعبية «زيتون برما داشر». رحم الله المحسن العماني الشركسي الكبير الحاج اسحق لمبز الذي ترك بصمات خير وايمان وعلم واحسان في سجل العاصمة الأبية الفتية «عمان».