الأتراك من أصل إثني شركسي يحتجّون خارج السفارة الروسية في انقرة في الذكرى المائة والخمسون للترحيل الجماعي والقتل للعرقيّين الشركس من قبل روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر، 21 مايو/أيار 2014.
الكاتب: فهيم تاشتكين
الترجمة من التركية إلى الإنجليزية: سيبل أوتكو بيلا
الأربعاء، 22 أبريل/نيسان 2015
ترجمة: عادل بشقوي
العرقيين الشركس في تركيا، المتحدرين من المجتمعات القوقازية التي طردت من وطنها من قبل الروس في القرن التاسع عشر، كان من الصعب عليهم التغلب على الصدمة بأن يجري تجاهلها في البطاقات الإنتخابية لحزب التنمية والعدالة (AKP) في الانتخابات التي ستجري في 7 يونيو/حزيران عندما وجدوا أنفسهم متورطين في خلاف آخر مع الحكومة. القضية هذه المرة هي دورات اللغة الشركسية التي قُدّمت في المدارس الحكومية.
اللغة الشركسية، والمعروفة أيضا بلغة الأديغه، تم تدريسها كسياق إختياري على مدى السنوات الثلاث الماضية في ظل مناهج مصممة على أساس الأبجدية السيريلية. ومع ذلك، فقد وافقت وزارة التربية والتعليم الآن أيضا على استخدام الأبجدية اللاتينية (Latin)، حيث لقت ردود فعل غاضبة من قبل فيدرالية الجمعيات القوقازية (KAFFED)، وهي أكبر منظمة مدنية لشراكسة في تركيا التي تضم 53 مجموعة. في 16 أبريل/نيسان، عقد أعضاء فيدرالية الجمعيات القوقازية مظاهرات أمام مكاتب وزارة التربية والتعليم في جميع أنحاء البلاد.
وتأتي احتجاجات الشوارع كرد فعل نادر من قبل المجتمع الذي احتفظ بمناصب بيروقراطية رئيسية منذ العهد العثماني، في السّعي من أجل حل مشاكله بهدوء في أروقة السلطة. في الحقيقة، نزل الشركس إلى الشوارع منذ سنوات التسعينيات لإدانة الحروب في الشيشان، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وإحياء ذكرى يوم 21 مايو 1864، والإبادة الجماعية الشركسية. لكن أداء الشارع لرفع مطالب إلى الدولة هو شيء جديد للشركس، الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 3 ملايين في تركيا. رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “ارفعوا أيديكم عن أبجديّتي”، و“يجب ان تدرس لغتنا الأم في أبجديتها الرسمية”، و“نريد أبجدية لغتنا الأم” و“ماذا عن العربية بحروف لاتينية؟”
الرّوابط مع الوطن مهدّدة
وتشمل الاعتراضات الرئيسية لأعضاء فيدرالية الجمعيات القوقازية (كافيد) الحجج التالية:
* اللغة الشركسية لديها أبجدية بالفعل، وإدخال الأبجدية اللاتينية سوف يضعف روابط المجتمع الشركسي مع الوطن.
* في جمهوريات أديغيا، وقباردينو – بلكاريا وكراشاي – شركيسيا — وهي ثلاث جمهوريات قوقازية ذات حكم ذاتي في الفيدرالية الروسية يحافظ على اللغة الشركسية بشكل مؤسسي — يتم تدريس اللغة رسميا باستعمال الأبجدية السيريلية منذ ثمانية عقود. وهكذ، فإن استخدام الأبجدية السيريلية يسهل نقل تراث ومصادر الوطن لتركيا.
* لا تزال تعاني دورات اللغة الشركسية في المدارس التركية من مشاكل خطيرة، والتي سوف تتزايد فقط إذا تم إدخال نظام أبجدية مزدوج. يتوجب على المدارس أن توفّر معلّمين مختلفين لفصول منفصلة وباستعمال منهجين مختلفين وكتب مدرسية مختلفة. وسوف يفشل الطلاب في تعلم لغتهم الأم كما ينبغي.
* تجاهلت وزارة التربية والتعليم تحذيرات اللغويين بأن الأبجدية اللاتينية هي غير صالحة علمياً لتعليم اللغة الشركسية. رفض تقرير لخبراء الوزارة للأبجدية اللاتينية، لكن كانت قد أعطيت الضوء الأخضر بموجب قرار اتخذ بناءا على اعتبارات سياسية وإدارية بدلا من أسس علمية.
* والمناهج الدراسية الحالية وُضعت لتتماشى مع المناهج الدراسية الرسمية في الجمهوريات القوقازية، وذلك باستخدام الأبجدية السيريلية الّتي تطابق البنية الصوتية الشركسية.
* يتم تدريس الأبجدية السيريلية في تركيا ليس فقط كجزء من دورات انتقائية لوزارة التربية والتعليم ولكن أيضاً مع قسم اللغة والأدب الشّركسي في جامعة دوزجه (Duzce)، حيث يشمل أعضاء هيئة التدريس محاضرين استقدموا من القوقاز.
* الأبجدية المستخدمة في جمهوريات القوقاز تعمل باعتبارها مصدراً ومُطوِّراً للغة الشركسية على حدٍ سواء. وأبجدية مختلفة سوف تجعل من الصعب الحفاظ على لغة هي بالفعل مهدّدة.
العوامل الأيديولوجية
أحد العوامل التي ساهمت جزئيا في خلاف كافيد مع الحكومة هو الصدع الداخلي بين الشركس المحافظين الذي يميلون نحو اليمين وأولئك الذين هم في اليسار. النزاع طويل الأمد حول ما إذا كان يجب على الشركس أن يستخدموا النصوص السيريلية، أو العربية أو اللاتينية كان قد تأجّج في عام 2012 بمجرّد تم إدخال اللغة الشركسية (الأديغه) كمساق انتقائي في المدارس التركية. كافيد، والمعروف عنها حفاظها على أقوى الروابط مع الوطن الأم، حبذت الأبجدية السيريلية، بينما جمعيّة تعليم لغة الأديغه (ADDER) التي مقرها في قونية (Konya)، والتي تركز تحديدا على مسألة اللغة، كانت من دعاة السيناريو اللاتيني. قام الفريقان بتنظم مؤتمرات في محاولة للتوصل إلى موقف مشترك.
في نهاية المطاف، طرحت وزارة التربية والتعليم الدورات الشركسية مع كتب مدرسية باستخدام الأبجدية السيريلية بتوجيه من كافيد، وتمشيا مع المناهج المعمول بها في الوطن الشركسي. بعد ذلك، وبعد ثلاث سنوات، تمكّنت جمعيّة تعليم لغة الأديغه — مدعومة من قبل جماعات شركسية تأسست حديثا موالية لحزب العدالة والتنمية — من الضغط على وزارة التربية والتعليم للموافقة على أبجدية لاتينية. وتقول كافيد الآن انها ستسعى إلى إلغاء القرار على أساس أن أبجدية مزدوجة ستخلق البلبلة.
قد تكون للمسألة جوانب لغوية، لكن تلعب القناعات العقائدية والسياسية أيضا دورا في النزاع. في حين تمثل جمعيّة تعليم لغة الأديغه في الغالب الشركس المحافظين الذي يميلون نحو اليمين، بينما تُدعم كافيد من قبل الدوائر اليسارية. في معسكر جمعيّة تعليم لغة الأديغه بشكل عام، الشعور السائد هو تصفية الحسابات مع روسيا، وإلقاء اللائمة عليها بالحروب والترحيل والمآسي التي حلت بالشركس. وفي معسكر كافيد، من جانبه، يميل إلى تجنب الخطاب المعادي لروسيا، والسّعي إلى تعزيز الروابط مع الوطن الأم. وبسبب إنتماءات عقائديّة، فإن خطاب جمعيّة تعليم لغة الأديغه يلقى صدى مع حكومة حزب العدالة والتنمية. وفقا لكافيد، فإن جمعيّة تعليم لغة الأديغه تمكنت من إقناع الوزارة بالموافقة على الأبجدية اللاتينية، بحجة أن الأبجدية السيريلية الحاليّة كانت في جوهرها روسيّة ويجب أن يتم استبدالها بالحروف اللاتينية حتى يتم التخلص من “الهيمنة الروسية”. تتبنى هذا الشعور السائد قطاعات قومية ومحافظة في المجتمع الشركسي، حيث يكون الشك وحتى العداء تجاه روسيا قوياً.
في تصريحات لكاتب قناة مراقب (Al-Monitor)، ومترجمها مراد بابسو (Murat Papsu)، وهو أحد أعضاء اللجنة الذين أعدوا المناهج الدراسية الحالية المدعومة من كافيد، قال بأن منهج الأبجدية اللاتينية معيب لغوياً وشدد على أن العوامل الأيديولوجية كانت حاضرة في لعبة المنافسة.
“أولئك الذين يأتون من تقاليد قومية وإسلامية أو يمينية هم معادون للأبجدية السيريلية، وبالتالي يدعمون الأبجدية اللاتينية. وقال بابسو أنهم يُعرّفون الأبجدية السيريلية مع الروسنه (Russianness)، والذي هو بالتالي لا علاقة له بالموضوع.”
وشدد على أن الموافقة على منهجٍ ثانٍ بالإضافة للحالي أوجد تشويشاً، مع فشل وزارة التربية والتعليم في شرح كيفية عمل النظام المزدوج. وتبقي الوزارة صامتة في النزاع، في حين أن جمعيّة تعليم لغة الأديغه ترفض اعتراضات كافيد وتتمسّك بحججها، والتي تشمل النقاط التالية:
* في الشتات الشركسي في تركيا، والذي هو الأكبر في العالم، سجلت اللغة الشركسية درجة إجادة 0 ٪ للمجموعة العمرية 0 – 15، و 4 ٪ للمجموعة العمريّة 15 – 30 ٪. لا يمكن التضحية بجهود وقف هذا الانصهار اللغوي لأهواء بعض المؤسّسات.
* الأبجدية اللاتينية وُضىعت من قبل لجنة تضم 30 عضوا، حيث عملوا لحوالي أربعة أشهر وحققوا توافقاً في الآراء.
* الدورات الشركسية – الأديغيّه الإختياريّة هي لمدة ساعتين فقط في الأسبوع، مع أن فصول القراءة والكتابة التركية مدتها 15 ساعة. وبالتالي، فإنه من المستحيل للطلاب أن يتعلموا القراءة والكتابة في الأبجدية السيريلية في مثل هذا الوقت المحدود. وسوف يكون تعلم اللغة الشركسية في الأبجدية اللاتينية أسهل للطلاب لأنهم بالفعل على دراية بها. وبرزت الأبجدية السيريلية كعامل معيق في تعلم لغتهم الأم.
* كان مجتمع الأديغه واحداً من أول الجماعات الإسلامية التي اعتمدت الأبجدية اللاتينية في الماضي في العهد العثماني.
ثراء لفظي
وخلاصة القول، حدث تصدع عمره قرن من الزمان سواء بين الشراكسة أنفسهم وبين المجتمع الشركسي وأنقرة. لقد تم البدء بالعمل على أبجديّة شركسية (أديغيّه) في القرن التاسع عشر، لكن بقي محدوداً وغير كافٍ. اتخذت الأبجدية شكلاً على أساس لهجتين رئيسيتين، اللهجة الغربية واللهجة الشرقية، مع وجود مراكزها في الجمهوريات ذات الحكم الذاتي في أديغيا وقباردينو - بلكاريا، على التوالي.
بعد انهيار روسيا القيصرية، كانت تُستعمل الأبجديّتين العربية واللاتينية في القوقاز لنحو عقد من الزمن بعد عام 1918. أدخلت الأبجديّة السيريلية في الفترة بين 1936 – 1938 حيث أطلق الاتحاد السوفييتي مشروعاً لتجهيز جميع اللغات المحلية بأبجدية. وحدث تطور حقيقي في الأدب الشركسي مع الأبجدية السيريلية.
في الواقع، لا الحروف الهجائية السيريلية ولا اللاتينية قادرة على تلبية كامل الصوتيات للغة الشركسية. الأبجدية الأديغيّة الغربية تتألف من 64 حرفاً والأبجدية الشرقية تتألف من 59 حرفاً. ومع ذلك، فإن الأبجدية السيريلية المستخدمة في اللغة الروسية ترمز إلى 32 صوتاً، واللاتينية 23. ومن هنا، فإن استخدام الأبجدية اللاتينية يتطلب إيجاد المزيد من الأصوات مقارنة بالأبجدية السيريلية.
المشكلة الرئيسية لشركس تركيا، على أي حال، هي الاندثار المتسارع للغتهم الأم. والدورات الإختياريّة التي توفّرها وزارة التربية والتعليم لا يمكنها أن توقف ضياع اللغة في شكلها الحالي. وباستخدام الأبجدية السيريلية أو اللاتينية سوف لن يحدث فرق طالما أن نظام التعليم يفتقر إلى أي معنى جدّي للهدف.