اقوال بوتين عن "الإبادة الجماعية" للأرمن يثير ردود فعل من الأهيسكا والتتار والشركس


أثار وصف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، أحداث 1915 التي شهدتها منطقة الأناضول، بـ"الإبادة العرقية"، ردود فعل من ممثلي القوميات، التي تعرضت للتهجير والنفي الجماعي، في العهد السوفيتي، ما أدى إلى وفاة الآلاف من أبنائها. 

ومن تلك القوميات، أتراك الأهيسكا، الذين تم تهجيرهم في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 1944، بقرار من ستالين، من جورجيا، إلى أوزباكستان وكازاخستان وقرغيزستان، وتسببت ظروف التهجير في مقتل 20 ألف منهم، وفقا لمصادر مستقلة.

 وقال رئيس جمعية وطن أتراك الأهيسكا "جويد علييف"، في حديث مع الأناضول، إن روسيا لم تفعل شيئًا لإعادة توطين أتراك الأهيسكا، ولم يحصل هؤلاء على أي تعويضات على أموالهم وأراضيهم التي خلفوها وراءهم، مشيرًا إلى أن الأهيسكا اتخذوا خطوات رسمية من أجل الحصول على التعويضات اللازمة، إلا أنهم لم يتلقوا ردًا من السلطات الروسية.  

 تتار القرم

 وتعرض تتار القرم، الذين يمثلون أحد العناصر الرئيسية لشبه جزيرة القرم، للتهجير القسري من قبل السلطات السوفيتية أيضا، حيث أرسلوا بالقطارات في 18 مايو/ آيار 1944، إلى جبال الأورال وآسيا الوسطى.    

وقال "مصطفى عبد الجميل قرم أوغلو"، زعيم تتار القرم وعضو البرلمان الأوكراني: "لماذا لا تعترف  روسيا بعمليات النفي والإبادة العرقية التي قام بها الاتحاد السوفيتي، في حين تتدخل في الأحداث التي شهدتها الأراضي التركية، وتسببت في معاناة للطرفين"، مضيفًا أن الآلام التي نجمت عن عمليات النفي التي قام بها السوفييت، لم يتم تجاوزها بعد. 

وأشار "قرم أوغلو" إلى أن قتلى أحداث 1915 ليسوا من الأرمن وحدهم، حيث أن الأرمن قتلوا أتراكًا وأذريين، وأرمن مسلمين، مضيفًا أن روسيا هي من حرضت الأرمن على ارتكاب تلك المذابح لتطهير الأراضي التي ستقام عليها أرمينيا الكبرى من القوميات الأخرى.  

 الشركس 

كان الشركس من ضمن ضحايا سياسات النفي التي اتبعتها روسيا القيصرية، حيث تقدر أرقام غير رسمية تعرض 1.5 مليون شركسي للنفي، توفي 500 ألف منهم، بسبب الأمراض المعدية، والمجاعة، وغيرها من المصاعب التي تخللت عملية النفي. 

  وقال عضو مجلس إدارة اتحاد الجمعيات الشركسية "خالص دين"، في حديث مع الأناضول: "على بوتين أن يواجه أولًا تاريخه، وأن يعترف بالإبادة العرقية التي تعرض لها الشركس، وعلى الرئيس الروسي فتح أبواب الأرشيف الروسي، والاعتراف بالإبادة العرقية للشركس، والتعويض عن النتائج التي ترتبت على الإبادة والنفي، وتسهيل حصول الشركس في الشتات على الجنسية الروسية". 

ويدعو الشركس، روسيا، إلى إعلان يوم 21 مايو/ آيار، يوم إبادة ونفي الشركس.

 وفي الوقت الذي كان فيه الأناضول يشهد أحداث عام 1915، كانت روسيا تقوم بنفي الملايين من القالموق، والشيشان، والأنغوش، والقره شاي، وألمان الفولغا، والفنلنديين، وشركس البلقان، وتتار القرم، وأتراك الأهيسكا. 

وينتظر الآن ضحايا عمليات النفي تلك، التي تمت في ظروف غير إنسانية، من روسيا، القبول بأن ما حدث خلال تلك الفترة يعد كارثة وإبادة جماعية.

 وكان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أرسل رسالة الأربعاء الماضي، إلى فعالية أقامها اللوبي الأرمني في موسكو، حيث استخدم بوتين كلمة "الإبادة العرقية"، لتوصيف أحداث عام 1915. 

كما أصدر البرلمان ومجلس الدوما الروسي، أمس الجمعة، بيانًا مشتركًا يدعم المزاعم الأرمنية حول الأحداث ذاتها، وجاء في البيان: "بمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، نتقاسم أحزان الشعب الأرمني الشقيق، والشعوب الاخرى التي تأثرت من الأحداث المأساوية إبان الحرب العالمية الأولى، وإن المشاكل التاريخية المعقدة، ينبغي حلها بالطرق السلمية، والجهود الدبلوماسية من أجل سلام وأمن دائمين في العالم".  

 ما الذي حدث في 1915؟  

تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914. 

وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي.

 وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي. 

وسعيًا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 نيسان/ أبريل من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة الأرمنية" المزعومة، في كل عام. 

وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو/ آيار، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.

 ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الانسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.  

 وتؤكد الوثائق التاريخية، عدم  تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها.  

 وعقب انسحاب روسيا من الحرب جراء الثورة البلشفية عام 1917 تركت المنطقة للعصابات الأرمنية، التي حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكنية العثمانية.   

وبموجب معاهدة سيفر التي اضطرت الدولة العثمانية على توقيعها، تم فرض تأسيس دولة أرمنية شرقي الأناضول، إلا أن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ، ما دفع الوحدات الأرمنية إلى إعادة احتلال شرقي الأناضول، وفي كانون الأول/ديسمبر 1920 جرى دحر تلك الوحدات، ورسم الحدود الحالية بين تركيا وأرمينيا لاحقًا، بموجب معاهدة غومرو، إلا أنه تعذر تطبيق المعاهدة بسبب كون أرمينيا جزءًا من روسيا في تلك الفترة، ومن ثم جرى قبول المواد الواردة في المعاهدة عبر معاهدة موسكو الموقعة 1921، واتفاقية  قارص الموقعة مع أذربيجان وأرمينيا، وجورجيا، لكن أرمينيا أعلنت عدم اعترافها باتفاقية قارص، عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، عام 1991. 

  الحاجة إلى ذاكرة عادلة والتفهم المتبادل 

 وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بأن ما جرى خلال عملية التهجير على أنه "إبادة عرقية"، وبالتالي دفع تعويضات.  

 وبحسب اتفاقية 1948، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة العرقية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح الإبادة العرقية، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.  

 وتؤكد تركيا عدم إمكانية اطلاق صفة الإبادة العرقية على أحداث 1915، بل تصفها بـ"المأساة" لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة" الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.  

 كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراك وأرمن، وخبراء دوليين.   

 يريفان لم تنتهز فرصة تطبيع العلاقات

 شهد عام 2009 أهم تطور من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث وقع الجانبان بروتوكولين من أجل إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية، وتطوير العلاقات الثنائية، في تشرين الأول/أكتوبر، بمدينة زيورخ السويسرية.  

 ويقضي البروتوكولان، بإجراء دراسة علمية محايدة للمراجع التاريخية والأرشيفات، من أجل بناء الثقة المتبادلة وحل المشاكل الراهنة، فضلًا عن الاعتراف المتبادل بحدود البلدين، وفتح الحدود المشتركة.  

 كما نصّ البروتوكولان على التعاون في مجالات السياحة والتجارة، والاقتصاد، والمواصلات، والاتصالات، والطاقة والبيئة، والإقدام على خطوات من أجل تطبيع العلاقات انطلاقًا من المشاورات السياسية رفيعة المستوى وصولًا إلى برامج التبادل الطلابي.  

 وأرسلت الحكومة التركية، البروتوكلين إلى البرلمان مباشرة من أجل المصادقة عليهما، فيما أرسلت الحكومة الأرمنية، نصيهما إلى المحكمة الدستورية من أجل دراستهما، وحكمت المحكمة أن البروتوكلين لا يتماشيان مع نص الدستور وروحه.  

 وبررت المحكمة قرارها بإعلان الاستقلال الذي ينص على "مواصلة الجهود من أجل القبول بالإبادة العرقية في الساحة الدولية"، والذي يعتبر شرقي تركيا جزءًا من الوطن الأرمني، تحت مسمى "أرمينيا الغربية".  

 وأعلنت أرمينيا تجميد عملية المصادقة على البروتوكلين، في كانون الثاني/يناير عام 2010، وبعد 5 أعوام سحبتهما من أجندة البرلمان، في شباط/ فبراير المنصرم.  

 وكان رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو"، زار أرمينيا عام في كانون الأول/ديسمبر 2013 بصفته وزيرًا للخارجية في تلك الفترة، وأكد في تصريح صحفي، عقب الزيارة، ضرورة حل القضية عبر تبني موقف عادل وإنساني، بعيدًا عن المقاربات أحادية الجانب، والتقييمات الظرفية، منوهًا أنه لا يمكن صياغة التاريخ إلا عبر ذاكرة عادلة.  

 بدوره أعرب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، عن تعازيه لكافة مواطني الدولة العثمانية الذي فقدوا حياتهم إبان الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسهم الأرمن، ووجه دعوة من أجل السلام والتصالح، في رسالة بتاريخ 23 نيسان/ابريل 2014، عندما كان رئيسًا للوزراء.