بوتين ليس بسوبرمان والجيش الروسي ليس بتلك القوة


             على الرغم من كلام فلاديمير بوتين المنمق ونجاحه الواضح في إقناع العديد من الروس وبعض القادة الغربيين بخلاف ذلك، إلا أن زعيم الكرملين ليس بسوبرمان، وفقا لميخائيل خودوركوفسكي (Mikhail Khodorkovsky)، والجيش الروسي ليس بالقوة الضاربة التي يدّعي، وفقا لكسينيا كيريلوفا (Kseniya Kirillova).

            في حديثه في تشاثام هاوس (Chatham House) في لندن يوم أمس، قال خودوركوفسكي بشكل مباشر أن التغيرات في روسيا أمر لا مفر منه لأنه “مهما حاول الضليعين في العلاقات العامة والدعاية التلفزيونية في الكرملين أن يبينوا لنا على أنّهُ شيء آخر، إلا أن بوتين ليس بسوبرمان وانه لن يدخل التاريخ كبطل” (openrussia.org/post/view/3003/).

            وتظهر وسائل الإعلام الروسية بوتين عاري الصدر وهو يقاتل الدببة، ويحلق مع الطيور، ويصيد النمور. لكن كل هذا، حسبما يقول أحد الصّفوة  الروس السابقين، والسجين السياسي السابق، وزعيم المعارضة الآن، ما هو إلا “خيال” وأن بوتين “ليس زعيما قوياً ولكن ملكاً عارياً”، وهو شخص مثل الملك كانوت (King Canute) يعتقد أنه يمكن أن يأمر بالمد والجزر ولكن ينجح فقط في جعل قدميه مبلّلتين.

            ويقول خودوركوفسكي ان روسيا بوتين “ليست كل روسيا”، على الرغم من أن الكثيرين في الغرب لا ينظرون إلى أبعد من ذلك. ويقول، تُعتبر “روسيا بوتين”، ذلك الجزء من البلاد “الذي قرر دون وعي ونتيجة للخوف أن يذهب في اتجاه مجتمع مغلق”، وهو الشيء الّذي جعل دخل النفط والغاز قبل عقد من الزمن ممكناً.

            هؤلاء الموجودين في “روسيا بوتين” وليس في بقيتها قبلوا الصفقة الخاسرة التي تتألّف من “حياة رغيدة بدلا من الحرية السياسية”. ويُكمل، لكن الجزء الأول من هذه المعادلة لم يعد متاحا، ليس بسبب الحرب في أوكرانيا أو العقوبات الغربية، ولكن لأن “الاقتصاد الروسي قد استنفد موارد التنمية بناءً على انهيارالانفتاح وروح المبادرة”.

            ويقول خودوركوفسكي، ما فعلته الحرب، هو جعل الوضع يزداد سوءا بسبب حرمان الكرملين من قدرته على الوصول إلى الاستثمارات والمساعدات الغربية. ونتيجة لذلك، فإن “إغلاق مؤسسات الدولة، وغياب المنافسة والسعي للعزلة أدّى إلى تخفيض قيمة العملة بشكل سريع، وانخفاض في الإنتاج وانخفاض في مستوى المعيشة”.

            فمن الواضح تماما أن الخريف قد حل ببوتين، ولكن قد يكون خريفاً طويلاً، من شأنه أن ينطوي على صعوبات جمّة للمواطنين في روسيا وسيكون “خطيرا للأمن الدولي”، حسبما يقول. وستزدادالتوترات داخل الحكومة بين النخب القديمة والحديثة، وسوف ترتفع أيضا وتيرة التذمر بين السكان.

            واستجابة لذلك، يمكن توقّع زيادة القمع من قبل الكرملين، مستغلاً “التطرف الديني، والقيم البالية، والمواقف المعادية للأجانب” التي ستنعكس على تعقّب أعداد متزايدة من الناس مما يتسبب في دفعهم للفرار من البلاد. وذلك سيجعل المستقبل أكثر صعوبة.

            شيء واحد يجب على الروس والغرب أن يكونوا واضحين بصدده هو أن روسيا ليست دولة نفطية كما يود بوتين أن يعتقد الناس، وبالتالي تقبل كافّة الأشياء التي لا ينبغي بالضرورة أن يسمح بها. في الواقع، يشير خودوركوفسكي، أن ربع ميزانية الدولة في روسيا فقط يأتي من ريع بيع النفط والغاز. وثلاثة الأرباع الباقية تأتي من مصادر أخرى.

            ويقول انه متفائل بشأن المستقبل بسبب صعود جيل جديد غير مستعد لقبول المجتمع المغلق الذي يقدّمه بوتين. ويقول لجمهوره في لندن، للأسف، فإن “المجتمع الغربي لا يرى هؤلاء الناس، ويواصل التعامل فقط مع بوتين” كما “لو لم يكن هناك أي بدائل”.

            وباعتماد ذلك الرأي الخاطئ تجاه روسيا، يشعر الغرب بأنّ ليس لديه بديل سوى التوصل إلى اتفاق مع زعيم الكرملين على الرغم من أن ما يريده بوضوح هو ليس أقل من إعادة ترتيب النظام الدولي ضد قوى الحرّيّة ولصالح قوى المجتمعات المغلقة.

            ويقول خودوركوفسكي انه من الممكن بالطبع إبرام اتفاق مع أي شخص، إذا كان الشخص يدرك ما يريده حقاً. ولكن إذا كان الشخص يفهم ما يريد بوتين، لا بد من أن يدرك المرء أن هناك تبايناً ليس فقط مع مصالح الغرب ولكن أيضاً مع مصالح روسيا والروس أيضاً.

            افتراض آخر تروج له موسكو وعلى نطاق واسع في الغرب هو أن الجيش الروسي يمتلك القوّة، لكن كما تشير كسينيا كيريلوفا (Kseniya Kirillova) في تعليق لها على موقع (NR2.com)، إلا أن الحقائق لا تدعم هذا الزعم. من جهة فإن المعدات العسكرية الروسية غالبا ما تكون منتهية الصلاحية وغير فعالة (http://windowoneurasia2.blogspot.com/2015/02/putin-is-not-superman-and-russian.html).

            ومن جهة أخرى، وهو الأخطر من ذلك بكثير ما أثبته القتال الأوكراني، حيث أن القوات الروسية قد تصل إلى أهدافها ولكن فقط على حساب خسائر فادحة إذا تمّت مواجهتها من قبل خصومها بحزم. فعلى سبيل المثال، فقدت وحدة القوات الخاصة (Vympel)، ثلث منتسبيها خلال الهجوم على مطار دونيتسك (Donetsk).

           على الرغم من أنّ القوات الأوكرانية تعاني من نقص في أنواع معينة من الأسلحة، إلال أنّها أظهرت هناك وتُظهر في أماكن أخرى بأنها يمكن أن تبطئ أو حتى توقف التقدم الروسي. وتقول كيريلوف، في الواقع، لقد “أظهرت الحرب في أوكرانيا أن الجيش الروسي ليس بتلك القوة كما اعتاد الكثيرون أن يعتقدوا”. لم يكن قادرا على التقدم في كل مكان يريد وبأقل الخسائر.

            إن قول ذلك لا يعني أن الجيش الروسي غير قادر على إحراز التقدم، لكن “المبالغة [في] قوته” على أساس “أساطير من الماضي” هو خطأ كبير. وإذا استمر بوتين في غزوه لأوكرانيا، فإنّه سوف يجد أن الأمر لا يقتصر على الجيش الأوكراني ولكن الشعب الأوكراني المسلح سوف يقاومه في كل خطوة في الطريق.

بول غوبل 

 ترجمة: عادل بشقوي