إن تزوير موسكو لتاريخ الشركس وتنصلها من الطبيعة الإمبريالية للسياسة الروسية التي أدت إلى تهجير معظم أفراد تلك الأمة لا يُظهر فقط أن الحكومة الروسية ملتزمة بأجندة الاستعمار الجديد، لكنها تواصل مسار الإبادة العرقية، كما تقول مدينه خاكواشيفا.
وتشير كبيرة الباحثين في معهد قباردينو- بلكاريا لأبحاث العلوم الإنسانية إنه من الخطأ الجسيم استبعاد الدعاية الروسية لأنها عبثية وتتعارض مع الحقائق التي لا تتطلب ردا (zapravakbr.ru).
بدلاً من ذلك، فإن الأكاذيب الأخلاقية وغير الأخلاقية عن الماضي التي تقوم موسكو الآن بالترويج لها، هي في صميم ”الإدراك المدروس جيدًا ولكن التدريجي للإبادة العرقية“ للشركس وغيرهم من غير الروس الذين أخضعتهم الدولة الروسية على مدار تاريخها وبالتالي فهي مؤشر إلى أين تتجه موسكو الآن.
وتقول خاكواشيفا، إن توجه روسيا تجاه غير الروس قد مر بالمراحل التالية وذلك كما في حالة الشركس. ”أولاً، التدمير المادي والتهجير بدون حق العودة، والتمييز العلني ضد اللغة الأم، وتسوية الثقافة والهوية، والقضاء التام على تاريخ الشراكسة“ من كتب ومتاحف.
وتكمل أنّهُ بالإضافة إلى ذلك، تواصل موسكو العمل على إيجاد ”جميع الظروف لتحقيق الدمج المصطنع ومسح كافّة الأدلة على وجود شعب بأكمله“، بما في ذلك إعلان أراضي وموارد تلك المناطق بأنّها روسيّة ”من زمن سحيق“. ”هذا هو الهدف النهائي للسيطرة الجيوسياسية“.
وتقول الباحثة إن الكُتاب الروس في هذا المجال يقدمون عددًا من الادعاءات التي لا تحتمل حتى الصمود في وجه أكثر الإختبارات السطحية. فعلى سبيل المثال، يزعم البعض منهم أن ”الحرب الروسية - القوقازية بدأت بسبب هجمات الجبليين على مستوطنات القوزاق“، دون معالجة السؤال حول سبب وجود مستوطنات القوزاق هناك في المقام الأول.
إنهم يؤكدون أن ”الشركس مثلهم مثل كل الشعوب المستعمرة المتخلفة منقسمون بين {الجيدين} ”الذين هم الأغلبية ويرحبون بالاحتلال“ و ”القلائل“ {السيئين} الذين يقاومون ذلك، لكنهم لا يفسرون لماذا كان يجب طرد 95 ٪ من الشراكسة من روسيا في نهاية الحرب.
ويجادل هؤلاء الكتاب الروس بأنه فيما يتعلق ”بنهاية العالم الشركسي“، فإن ”خلافات الشركس العشائرية، والقبلية، و{الإقطاعية} هي السبب. وما زالوا يشيرون إلى أن التهجير في عام 1864 لم يكن إبادة جماعية بل على ما يعتبرونه ”ما يُسمَّى“ على الأقل، ويوضع دائمًا ذلك بين علامتي اقتباس.
وتقول خاكواشيفا إن كل هذه الأكاذيب هي ”حصريا مصالح جيوسياسية“، بما في ذلك أولاً وقبل كل شيء ”سيطرة جيوسياسية“ على المناطق التي ينتمي إليها الشركس. ”إن التزوير هو إذن سلاح أيديولوجي يُستخدم لهذا الغرض“.
هذا ليس شيئًا جديدًا: إن له جذوره في العهد السوفيتي. وقد استمر ذلك لأنه حتى بعد عام 1991، كانت الدولة الروسية غير راغبة في الاعتراف بالطبيعة الإمبريالية والاستعمارية لأسلافها السوفييت والقياصرة. ولأنه لم يتم الفصل فيها في ذلك الوقت، يتم الاحتفال بها الآن.
عندما لا يُصدر الكُتّاب الروس أكاذيبًا عن الشركس، فإنهم يعملون على محوهم من الذاكرة التاريخية، وإزالة المراجع عن الأمة الشركسية في كتب التاريخ المدرسية، وشيطنة كل أولئك الذين يتذكرون أو يسعون لاكتشاف الحقيقة، ويحاولون تشتيت انتباه الآخرين عن طريق حكايات عاطفية أو شجبهم باعتبارهم مناوئين للروس.
تقول خاكواشيفا إن الجمع بين هذه الإجراءات تهدف إلى الإثبات للروس وللجميع أن الدولة الروسية اتبعت دائمًا ”مسارًا صحيحًا وفريدًا من نوعه“. ومهاجمة الشركس بهذه الطريقة كان مناسبًا لأنه لم يتبق سوى القليل في الوطن وانتشر الملايين في الخارج في جميع أنحاء العالم.
لكن الآن، وبفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، اجتمع الشتات وهو في وضع لا يسمح لهم بالاستجابة فحسب، بل لتشجيع الشراكسة في الوطن على عدم تصديق الأكاذيب التي تستخدمها الدولة الروسية اليوم وبالضبط لنفس الغرض الذي استخدمت القوات القيصرية من أجله المدافع والسُّفن لترحيلهم من وطنهم.
ونتيجة لذلك، يدرك الشركس في الخارج والشركس في الوطن ما هي حقائق تاريخهم ومدى التفسيرات الدعائية الروسية الخاطئة. لقد عاد البومرانج (السلاح المرتد) إلى الوطن ليطارد الروس، وهم من خلال دعاياتهم وأفعالهم الشّنيعة المتزايدة تؤكد تلك الحقيقة عن غير قصد.
وتعطي خاكواشيفا مثالين على رد الفعل الروسي هذا: الإصرار على أن مقاطعتي كراسنودار وستافروبول روسيين ”منذ الأزل“، حتى عندما تُظْهر السِّجِلات التاريخية الروسية الموّحدة السابقة أنها لم تكن كذلك، وان إقامة تماثيل الجنرالات من العهد القيصري في الأماكن التي احتلوها وأحدثوا القتل فيها خلال الحرب الروسية - القوقازية.
وتخلص المؤرخة إلى أن ”إقامة نصب تذكارية لقتلة الشعب الشركسي في وطنه الأم، سيكون تماما لما سيكون عليه الوضع لو تم تشييد نُصُب تذكارية لجنرالات الرايخ الثالث في القدس وتل أبيب“. لن يتسامح أحد في ذلك مع أي شخص ولا ينبغي أن تكون الإجراءات والإدّعاءات الروسية كذلك.
29 أبريل/نيسان 2020
بول غوبل
ترجمة: عادل بشقوي