الصدر الأعظم محمود شوكت (شفقت) باشا
أطلق لقب (الصدر الأعظم أو الوزير الأعظم) في دولة السلطنة والخلافة العثمانية منذ أوائل عهد تأسيسها وحتى تقويضها واستبدا لها بالحكم الجمهوري القائم حتى اليوم على المنصب التنفيذي الأول أي منصب (( رئاسة الوزارة ))في العصر الحديث. أي أن رئيس الوزراء كان يلقب بالصدر الأعظم أوبا لوزير الأعظم في الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف.واعتبر هذا المنصب التنفيذي الهام في ذلك الوقت المنصب الثاني من حيث الأهمية بعد منصب السلطان أو الخليفة العثماني كما هو الحال في معظم دول العالم في العصر الحديث
وقد تم إنشاء هذا المنصب التنفيذي لأول مرة في عام 728 هـ ( 1227 م) من قبل السلطان أورخان ثاني سلاطين الدولة العثمانية واستمر إلى تاريخ 8 صفر 1338هـ ( 17 تشرين ثاني 1924 م ) حيث ألغى الزعيم التركي كمال أتاتورك الخلافة العثمانية ومنصب الصدارة العظمى مستبدلا إياهما وفق النظام الجمهوري الحديث بمنصب رئيس الجمهورية ومنصب رئيس الوزراء. وتناوبا على إشغال هذا المنصب ( 211 ) شخصية عثمانية من مختلف الأجناس التي ضمتها الخلافة العثمانية. وكان دور الشراكسة في إشغال هذا المنصب متمثلا في تولي ( 15 ) شخصية شركسية لهذا المنصب الهام والخطير.وربما يرتفع هذا الرقم مستقبلا بالتعرف على أسماء شركسية جديدة ضمن قوائم من تولوا منصب الصدارة العظمى العثمانية. كما تولت شخصية شركسية واحدة على الأقل منصب رئاسة الوزراء في بدايات العهد الجمهوري التركي الحديث.
ويذكر أن الصدر الأعظم العثماني كان يحمل بيده خاتم السلطان أو الخليفة الرسمي لتوقيع وإصدار الكتب الرسمية نيابة عنهما وباسمهما . وكثيرا ما كان الصدر الأعظم العثماني يقود الجيوش العثمانية بنفسه لمحاربة الأعداء. وكانت نتائج معاركه تحدد مصيره في معظم الأحيان. فهو إما منتصر وباق في منصبه أو مهزوم معزول عن منصبه. أما الصدور العظام الشراكسة الذين استطعنا التعرف عليهم من المراجع التي تيسرت لنا حتى الآن فهم :
1- الصدر الأعظم عثمان أوزديمير أوغلو باشا (عثمان أبن أوزديميرباشا) :
من كبار القادة والأمراء العثمانيين. وهو من عائلة كوشتوقا وينتمي إلى قبيلة الشابسوغ الشركسية.كان والده الأمير أوزديمير باشا حاكما لليمن لعدة سنوات وبعد انتهاء حكمه لليمن أتجه مجاهدا لفتح بلاد الحبشة فنجح في فتح بعض أنحائها . أما ابنه عثمان باشا فقد أصبح أميرا للحج المصري ثم عين بكلربكيا (أميرا للأمراء) في الحبشة خلفا لأبيه. وبعد ذلك أنتدبه الوزير العثماني مصطفى باشا والي مصر لقتال مطهر بن شرف الدين في اليمن. فسار على رأس جيش من ثلاثة آلاف مقاتل مارا بالحجاز ثم إلى مدينة زبيد ثم إلى مدينة تعز حيث دخلها فاتحا وهزم الزبيديين عام 976 هـ ( 1568 م). ثم سار لحصار حصن القاهرية المنيع فعصت عليه حتى وصله المداد العثماني بقيادة الوزير سنان باشا فبادر الوزير سنان باشا لعقد الصلح مع محمد بن شمس الدين ثم مع مطهر بن شرف الدين من قادة وزعماء اليمن. وجرت عدة حوادث ومنها استدعاء الوزير سنان باشا لعثمان باشا الذي تباطأ في الاستجابة لطلبه لكونه مساويا له في الرتبة والمقام. وعندما وصل عثمان باشا إلى لقاء الوزير سنان باشا أظهر الأخير مرسوما سلطانيا بتعيينه حاكما لليمن وباستدعاء السلطان سليم الثاني لعثمان باشا إلى العاصمة استانبول حيث أحسن السلطان استقباله وعينه حاكما لإقليم شروان عام 1578 م ثم سار لفتح بلاد طاغستان (داغستان) على شاطئ بحر الخزر حيث فتحها بعد انتصاره على الأعجام في 9 مايو 1583م. ثم سار إلى بلاد القرم عبر جبال القوقاز وسهول روسيا الجنوبية حيث أستطاع هزيمة الخان محمد كراي وقتله بمساعدة من أخيه إسلام كراي عام 1584 م ليعود إلى الآستانة حيث استقبل بالتكريم والإعظام وأطلق عليه لقب فاتح أذربيجان والقفقاس. وفي شهر رجب عام 992 هـ (تموز 1584 م) تم تعيينه صدرا أعظم للخلافة العثمانية وتوفي وهو في منصبه في /5/ ذي القعدة عام 993 هـ ( 1585 م) ودفن في ديار بكر وفقا لوصيته.
2- الصدر الأعظم جركس محمد باشا :
تولى منصب الصدارة العظمي بتاريخ 14 جمادى الآخرة عام 1033هـ ( 1624 م) في عهد السلطان مراد الرابع وذلك بعد إعدام سلفه الصدر الأعظم كمانكش قرة على نتيجة سقوط مدينة بغداد بأيادي العجم. ولكنه توفي بعد فترة قصيرة في 12 ربيع أول عام 1034هـ ( 1625 م) وهو على رأس منصبه.
3- الصدر الأعظم ملك أحمد باشا ( أبازة ):
هو ملك أحمد باشا أبن بروانة القبودان من أمراء البحرية العثمانية من قبيلة الأباظة الشركسية. عمل في استانبول إلى أن تولى منصب السلحدار. وفي حملة فتح بغداد نال لقب الوزارة وصار واليا على ديار بكر وعين محافظا للموصل. ثم عين واليا لبغداد عام 1058-1059هـ الموافق لعام 1648 م. وبعد ذلك جرى تعيينه صدرا أعظم للدولة العثمانية بأمر السلطان محمد الرابع في 8 شعبان 1060هـ ( 1649 م) ولكنه عزل في 4 رمضان 1061هـ ( 1650 م) وتقلد عدة مناصب أخرى إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1070هـ ( 1659 م) وتوفي في 17 محرم عام 1073هـ ( 1662 م). كان ملك أحمد باشا حليما سليما ذا دين وصلاح حال وزهد وتقوى واستقامة في أعماله.
4- الصدر الأعظم سياوش باشا (أباظة باشا ) :
عرف باسم الشهرة ( أباظة باشا) أكثر من إسمه سياوش. أشغل منصب وزير الحربية في السلطنة العثمانية عام 1636 م. وأصبح عام 1642 م قائدا للبحرية العثمانية. تزوج أبنة السلطان أحمد الأول فأصبح من أصهار(داماد) القصر العثماني. أصبح واليا لمنطقة أرضروم وديار بكر وسيلسترا في عام 1643 م. ثم عينه السلطان محمد الرابع صدرا أعظم للدولة العثمانية في عام 1651م (رمضان 1061هـ). ومن مآثر أباظة باشا أثناء حكمه إلغاؤه لنظام الأغوات ( أي نظام رجال الخدمة المخصيين داخل البلاط العثماني). ونتيجة لعمله هذا أوغر المفسدون صدر السلطان عليه فأمر بعزله في 15 ذي القعدة 1061هـ 1651م ثم عين واليا للبوسنة ومحافظا لسيلسترا وجرى تكليفه بمنصب الصدارة العظمى مرة ثانية في 8 جمادى الآخرة عام 1066هـ ( 1656 م) حيث توفي في مستهل رجب 1066هـ ( 1656 م) وهو يشغل هذا المنصب الرفيع.
5- الصدر الأعظم درويش محمد باشا الجركس :
من أعلام الشراكسة في التاريخ العثماني. عمل أولا في خدمة مصطفى أغا ضابط الحرم السلطاني في عهد السلطان أحمد ثم عمل بمعية الوزير الأعظم محمد باشا (دال طبّان ). وكان السلطان عثمان يحبه لفروسيته وشجاعته. ذهب مع الوزير محمد باشا إلى مصر حين عين محافظ لها فكان مقدما على جميع أعوانه وصار كتخدا له ( أي نائبأ). ولما تولى الوزير محمد باشا الصدارة العظمى عهد إليه بولاية الشام في أواسط عام 1045هـ. أشتهر بفتكه وقسوته وجبروته. ولما جاء السلطان مراد إلى الشام كان درويش محمد باشا أميرا لأمراء الشام حيث ألحق به كثير من أمراء الولايات مثل أميرا لصحراء أبن أبي ريش وباشاوات طرابلس وحلب وأمراء ألوية أخرى. وجعله السلطان قائد المقدمة. وفي عام 1045هـ ( 1638 م) تولى منصب والي بغداد وظل في منصبه حتى عام 1052هـ ( 1642 م) وتنقل بعد ذلك في نيابات أخرى حتى تولى منصب الصدارة العظمى العثمانية في شهر ربيع الآخر عام 1063هـ ( 1652 م) وتوفي وهو في منصبه في شهر ربيع أول عام 1065هـ ( 1655 م) ودفن في القسطنطينية.
6- الصدر الأعظم آبازة سياوش باشا (سياوش باشا آبارة):
من أعلام الشراكسة في التاريخ العثماني. تزوج بنت الصدر الأعظم محمد باشا كوبرللي. شارك في الحملة على جزيرة كريت تحت قيادة فاضل أحمد باشا . ثم عمل بمعية الصدر الأعظم كوجأ مصطفى باشا في عام 1678 م وأصبح وزيرا للحربية (سلاح دارأوسلحدار) في عام 1681م. ثم عمل تحت قيادة جبجي باشا، وأصبح واليا لديار بكر ثم واليا للبوسنة ثم واليا لحلب. وفي 27 ذي القعدة 1098هـ ( 1681 م) استولى على منصب الصدارة العظمى من سلفه سليمان باشا الأصغر بتأييد من الجيش العثماني وذلك بسبب توالي هزائم سليمان باشا الأصغر العسكرية أمام البنادقة. اتفق آبازة سياوش باشا مع شقيق زوجته فاضل مصطفى باشا على خلع السلطان محمد الرابع حيث أجبروه على التنازل عن السلطنة للسلطان سليمان الثاني في عام 1099هـ ( 1688 م). ولم يلبث الصدر الأعظم سياوش باشا آبازة أن أغتيل من قبل جماعة الإنكشارية في الجيش العثماني في استانبول بتاريخ 21ربيع الثاني 1099هـ ( 1688 م).
7- الصدر الأعظم سليمان باشا:
ينتمي إلى قبيلة الأباظة الشركسية أيضا.تولى منصب وزير الحربية ثم أصبح واليا لحلب وقبرص عام 1292هـ ( 1875 م).وفي 12 شوال 1124هـ ( 1712م) تولى منصب الصدارة العظمى مع منصب وزارة البحرية العثمانية. تم عزله من المنصب لعام موافقته السلطان أحمد الثالث على أن يقوم السلطان بنفسه بقيادة الجيش العثماني ضد الروس الذين كانوا قد استطاعوا هزيمة سلفه الصدر الأعظم يوسف باشا .
8- الصدر الأعظم كتخدا (جركس خبازة) حسن باشا :
أول صدر أعظم يعينه السلطان سليم الثالث إثر هزيمة سلفه الصدر الأعظم يوسف باشا عام 1203 هـ ( 1788 م) في الحرب الروسية العثمانية. وكان تعيينه بتاريخ 3 رمضان 1203 هـ وقد استطاع كتخدا (جركس خبازة) حسن باشا هزيمة الجيش الروسي بقيادة الجنرال بوتمكين عند مدينة إسماعيل على مصب نهر الدانوب. إلا أن انهزام الجيش العثماني عند أكرمان وأمام مدينة بلغراد أدت إلى عزل الصدر الأعظم كتخدا( جركس خبازة ) حسن باشا وتولية حسن باشا الجزايرلي خلفا له في 15ربيع الثانى عام 1204 هـ ( 1789 م).
9- الصدرالأعظم حسن باشا جزايرلي بلابيك ( أبوشنب ):
من الأعلام المشهورين في التاريخ العثماني. ولد في القفقاس عام 1715 م وجيء به أسيرا إلى تركيا فتبنته إحدى العائلات الغنية. ولما شب أنخرط فيسلك العسكرية العثمانية وشارك في حرب النمسا . وأظهر كفاءته العسكرية والإدارية عندما عين رئيسا لميناء الجزائر حيث اكتسب لقب الجزايرلي. وقد حاول رئيس بكوات الجزائر أن يقتله ليتخلص من منافسته له فهاجر إلى إسبانيا ثم عاد إلى استانبول عن طريق إيطاليا . والتحق بالبحرية العثمانية عام 1761 م وشارك بفعالية في معارك البحر المتوسط ضد الأسطول الروسي وأحرز عدة إنتصارات عليهم فعين قائدا للبحرية وناظرا (أي وزيرا) لها في عام 1770 م. وأصبح قائدا للجيش العثمانى في روتشوك عام 1774 م. وأعيد تعيينه قائدا للبحرية مرة أخرى حيث أجرى عدة إصلاحات إدارية. وفي عام 1774 م قمع العصيان الذي حدث في سوريا من قبل ابي الذهب وحارب في بلاد الأرناؤوط. وفي عام 1786 م أرسل إلى الإسكندرية لقمع العصيان الذي حصل في مصر وعاد إلى تركيا عام 1787 م. أرسل قائدا للأسطول العثماني في البحر الأسود عام 1788 م ولما فشل في منع الروس من احتلال قلعة ازوي قام السلطان سليم الثالث بعزله. ثم عين واليا على الأناضول وفي 29 شعبان 1204 هـ ( 1789 م) عينه السلطان سليم الثالث صدرا أعظم بعد انتصار الروس على الجيش العثماني في معركة جسر الطبق. وقد بادر الصدر الأعظم الجديد حسن باشا الجزايرلي بالذهاب إلى منطقة شومينو لقيادة الجيش العثماني حيث كانت الحرب دائرة مع الروس ولكنه فشل في حربه معهم مما استدعى محاكمته غير أنه توفي فجأة في شومينو في البلقان عام 1790 م. ومن مآثره العمرانية أنه أنشأ عددا من العيون والأسبلة ( مشارب المياه العامة) لينتفع بها الناس في مدينة استانبول.
10- الصدر الأعظم رشيد محمد خوجة باشا:
من أعلام الشراكسة في الدولة العثمانية. ينتمي إلى عائلة كوشندوق الشركسية.تولى عدة مناصب في الدولة العثمانية كان آخرها منصب الصدر الأعظم الذي تولاه في زمن السلطان محمود الثاني في16 ربيع الثاني عام 1244هـ ( 1828 م) وخلفه فيه الصدر الأعظم محمد أمين رؤوف في باشا في تاريخ 27 رمضان 1248 هـ 1832م
11- الصدر الأعظم خسرو محمد باشا (كوجا):
- ولد في قفقاسيا عام 1776 م وقدم إلى تركيا صغيرا . تولى عدة وظائف في الدولة العثمانية وأصبح واليا على مصرفي 13 جمادى الأول 1216هـ ( 1801 م) واستمرإلى14 محرم 1218هـ ( 1803 م) أي إلى ما بعد انسحابه وخروج الفرنسيين من مصر. تولى مناصب أخرى ومنها منصب والي المورة ومنصب قاد البحرية العثمانية. وبعد انقضاء سلطنة السلطان محمود الثاني وتولي السلطان عبد المجيد الأول السلطنة العثمانية أختار خسرو محمد باشا صدرا أعظم لوزارته في 25 ربيع الثاني 1255هـ ( 1839 م) واستمر في منصبه حتى 7 ربيع الثاني عام 1257هـ ( 1841 م). وتوفي في عام 1855 م في مدينة تيكيرداغ التركية.
12- الصدر الأعظم محمد أدهم باشا :
ولد محمد أدهم باشا (أوأدهم باشا اختصارا) عام 1238هـ في جزيرة شيو من والدين شركسيين ولما بلغ عشر سنوات من عمره أقام في خدمة الصدر الأعظم قصرو باشا (خسروباشا) من أعلام الشراكسة ومن رجال الدولة العليّة العثمانية فرأى فيه الوزير قصرو مظاهر الذكاء والنجابة فأرسله مع أربعة من فتيان الشراكسة تحت إدارة إمارة جوبرت إلى مدرسة بربات العليا في متس. ومن هناك توجه إلى ألمانيا وفي عام 1849 م أصبح معاون حرب السلطان عبد المجيد وظل يترقي في المراتب إلى أن بلغ أخيرا مسند الوزارة العظمى أي منصب الصدر الأعظم أو رئاسة الوزراء. وقد كتبت عنه جريدة لافرنسة عند توليه الصدارة العظمى ومدحته لإلمامه بالقتال والفنون ولبلاغته وفصاحته وأدبه وحزمه. وشبهته بالزعيم بسمارك. وكان قد أشغل منصب سفير الدولة العثمانية في برلين كما أصبح واليا لبعض الأقاليم قبل إشغاله منصب الصدارة العظمى. تجول في بلدان أوروبا واستطلع أحوالها وألم بتاريخها وأنظمتها . وفي عهده تم إفتتاح البرلمان العثماني الأول وجرت عدة معارك مع روسيا ودول البلقان وعقدت بعض المعاهدات إلى أن تمت إقالته بعد حوالي عام في 7 محرم 1295هـ. وقد عرف عنه أنه كان عفيفا نزيها محافظا على تقاليد وزي بلاده.
13- الصدر الأعظم خيرالدين بن باشا التونسي (أبو النهضة التونسية الحديثة):
من أعلام السياسة والفكر وهن أوائل رواد النهضة في العالم العربي بشكل عام وفي تونس بشكل خاص. ولد في القفقاس لعائلة تليش الأباظية الشركسية حوالي عام 1820 م. أختطف وهو طفل صغير وأحضر إلى تركيا ومنها إلى تونس حيث تعهده واليها الداي أحمد وهيئ له فرص الاستزادة من العلوم فأكب على دراسة الفنون العسكرية والسياسية والتاريخ والعلوم الشرعية وأتقن اللغات العربية والتركة والفرنسية. أصبح رئيسا لمكتب العلوم الحربية بباردو عام 1840 م ثم أصبح رئيسا لفرقة الفرسان في الجيش التونسي. وعين مديرا لمصرف الدراهم التونسي. وفي عام 1849 م رقي إلى رتبة ومنصب أمير لواء الخيالة في تونس عام 1849 م.وفي عام 1855 م أنعم عليه الباي المشير محمد باشا برتبة الفريق لإنقاذه تونس من قرض مالي ثقيل كاد الباي السابق أن يندفع إليه. ثم عينه وزيرا للبحرية عام 1875 م حيث أجرى عدة إصلاحات إدارية. وساهم في صياغة واصدار قانون (عهد الأمان) التونسي عام 1857 م لتحقيق العدل والحرية لجميع أفراد الشعب التونسي.وشارك في وضع الدستور التونسي عام 1860 م. وعند إنشاء مجلس الشورى التونسي المنتخب كان خير الدين باشا الرئيس الفعلي للمجلس من عام 1861م. أصطدم مع سياسة الباي الجديد محمد الصادق فقدم استقالته من الوزارة ومن رئاسة مجلس الشورى عام 1862 م وفرض على نفسه العزلة السياسية لمدة تسع سنوات بين عامي 1862 م و 1869 م. وكان من نتاج عزلته تلك تأليفه الكتاب الشهير الذي أسماه ((أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك)) والذي تم طبعه في تونس عام 1867 م. بعد ذلك شارك مندوبا عن تونس في اللجنة المالية المختلطة المشكلة لتحصيل ديون الدول الأوروبية من تونس فاستطاع الحد من نفوذ اللجنة. وتدخلها في شؤون الدولة.
وفي أكتوبر 1873م عين وزيرا أكبر لتونس (أي رئيسا للوزراء) فسنحت له فرصة تحقيق برامجه الإصلاحية التي طرحها في كتابه أقوم المسالك واستطاع نقل تونس من حالة الكرب والضيق والفوضى إلى حالة من الأمن والرخاء والنظام. وتصدى بحزم للمطامع الأجنبية في بلاده وخاصة المطامح الفرنسية والإيطالية المتنافسة. ولكنه فوجئ بمعاتبة الياي له وغضبه من سياسته في التحمس لإعانة الخلافة العثمانية في حربها ضد روسيا فقدم استقالته من رئاسة الوزارة في يوليو1877م.
وبعد استقالته ضيق عليه الباي الخناق ومنعه من الاتصال بالناس فكان معتقلا في منزله. وقد سافر للعلاج ثم عاد إلى تونس وظل شبه معتقل حتى استدعاه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني فسافر إلى الآستانة في رمضان 1877 م حيث استقبله السلطان وعينه وزير دولة بعد رفضه منصب وزير العدل. ولكنه فوجئ في صباح يوم 4 ديسمبر 1818م بتعيينه صدرا أعظم للدولة العثمانية. وكانت الدولة العثمانية وقتها في ضيق وحرج كبير فالجيش الروسي يقف على عتبات العاصمة استانبول والأسطول البريطاني في مضيق البوسفور والاقتصاد متدهور، وهناك المشكلة الأرمينية ومشاكل في قبرص والبوسنة. فسارع خير الدين باشا إلى عقد أتفاق مع الروس يضمن مصالح المسلمين فر بلغاريا وروملي الشرقية كما أنسحب الأسطول البريطاني وسوى الخلافات مع النمسا وحلت مشكلة الأرمن واستبدل الخديوي إسماعيل بابنه توفيق في مصر. وقد أختلف كثيرا مع السلطان عبد الحميد الثاني ورجال حاشيته إبان توليه الصدارة العظمى وتألب عليه رجال الدين في البلاط العثماني فكان أن عزل من منصبه في شعبان 1296 هـ ( 1879 م) وعاش بعدها بعيدا عن السياسة حتى توفي بعد عشر سنوات في الآستانة عام 1889 م ودفن في جامع أيوب إلا أن الحكومة التونسية بادرت في عام 1968 م إلى نقل رفاته ودفنه في وطنه تونس تقديرا لخدماته الجلى ومآثره العديدة.وقد أطلق عليه الشعب التونسي لقب (( أبو النهضة التونسية)) اعترافا بدوره الكبير في خدمة الشعب التونسي وقيادته في معارج الرقي والنهضة والتطوير.
14- الصدر الأعظم محمود شوكت (شفقت) باشا :
ينسبه المؤرخون إلى الشراكسة حينا والى إخوانهم الشيشان حينا آخر.ولد في بغداد عام 1856 م ودرس فيها ثم التحق بالكلية العسكرية في استانبول وتخرج منها ضابطا في الجيش العثماني عام 1882 م ثم درس في الكلية الحربية وزار ألمانيا وفرنسا. أصبح واليا على كوسوفو عام 1905 م. وعند إعلان الدستور(المشروطية) في السلطنة العثمانية زحف إلى استانبول واحتل قصر سلانيك وأجبر السلطان عبد الحميد الثاني على التنازل عن العرش. وبعدها أصبح وزيرا للحربية في عام 1910 م ثم عين بدعم من زعماء حزب الاتحاد والترقي صدرا أعظم للدولة العثمانية في 14 صفر 1331هـ ( 23 كانون ثاني 1913 م). ألف كتابا عن مذكراته اليومية بعنوان((مذكرات محمود شوكت باشا اليومية)) كما ألف عدة كتب عسكرية.
كان له دور قيادي بارز ومهم في تأسيس جمعية الإتحاد والتعاون الشركسية في استانبول عام 1908 م وهو أول مؤسسة شركسية في المنفى خارج الوطن الأم بعد التهجير المأساوي للشراكسة عام 1864م.
تعرض محمود شوكت باشا للاغتيال في مدينة استا نبول بخمس رصاصات من قبل الجهات المناوئة للشراكسة والعناصر غير التركية في الدولة العثمانية وكان ذلك في13 حزيران 1913م.
15- الصدر الأعظم الداماد صالح باشا كارزج :
هو صالح باشا خلوصي كارزج باشا من أعيان الشراكسة في تركيا. ولد في استانبول عام 1864 م وتخرج من الكلية العسكرية بمرتبة الشرف عام 1888 م. تولى عدة وظائف مهمة إلى أن عين قائدا للجيش الثاني العثماني عام 1909 م. ثم أصبح وزيرا للحربية ثم وزيرا للأشغال العامة. وفي 8 جمادى الآخرة عام 1338هـ ( 8 مارس 1920 م) تم اختياره ليصبح صدرا أعظم في عهد السلطان محمد السادس آخر السلاطين العثمانيين. وقد خلفه الداماد فريد باشا في منصبه بعد فترة قصيرة في 15 رجب 1338هـ. عرف الداماد صالح باشا كارزج باستقامته ونزاهته وإخلاصه. توفي عام 1939 م في مدينة استانبول.
أما في العهد الجمهوري لتركيا الحديثة فقد ظهرت عدة شخصيات شركسية سياسية أشغلت مناصب سياسية وعسكرية مهمة كمناصب رئاسة الوزراء والوزارة وقيادة الجيش التركي وقيادة البحرية التركية وغيرها . ومن الوزراء المعروفين بأنهم شراكسة الوزير بكر سامي بيك كوندوق الذي كان من مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مع كمال أتاتورك وأصبح أول وزير خارجية للجمهورية التركية إلا أنه استقال لخلافه مع أتاتورك ومن الوزراء المتأخرين وزير الخارجية التركي إحسان صبري تشاغلا يانقل وممن أشغلوا منصب قادة الجيش التركي المارشال فوزي تشقمق ( جقماق)رئيس أركان الجيش التركي في أوائل عهد تشكيل الجمهورية التركية الحديثة. أما منصب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية فرغم تداول بعض الأسماء على أنها شخصيات شركسية في إشغال هذا المنصب إلا أن المؤكد أن شخصية شركسية واحدة على الأقل أشغلت منصب رئاسة الوزارة في بدايات تشكيل الجمهورية التركية الحديثة وهو دولة الميرالاي رؤوف أورباي أبن أحمد باشا الجركسي. وهو البطل العسكري المشهور إسلاميا وعثمانيا باسم بطل الدارعة( البارجة الحربية) المسماة (حميدية) والذي أستطاع بواسطتها إغراق الكثير من السفن والبوارج الحربية اليونانية المعادية.ناضل مع الزعيم كمال أتاتورك لإنقاذ تركيا من الهزيمة العسكرية امام الحلفاء وسعى إلى هدف الإصلاح الوطني والتطوير والتحديث للسلطنة مع المحافظة على الخلافة العثمانية رمزا للقوة والوحدة الإسلامية. وقد تولى منصب رئيس وزراء الحكومة الوطنية الإقليمية في أنقرة ولكن غلبة أفكار أتاتورك الداعية لإلغاء الخلافة والسلطنة العثمانية وتأسيس جمهورية تركية حديثة دفعت برؤوف أورباي إلى الاستقالة عام 1922 م وقيادته لحملة مناهضة ضد أتاتورك في مجلس النواب التركي وأثناء غياب رؤوف أورباي عن أنقرة مقر الحركة الوطنية أستطاع أتاتورك فرض تغيير نظام الحكم العثماني إلى نظام جمهوري وإلغاء الخلافة العثمانية. فغادر رؤوف أورباي البلاد ولكنه تعرض للمحاكمة كغيره من الزعماء المعارضين وصدر عليه حكم بالإعدام ثم صدر عنه العفو تقديرا لخدماته السابقة للحركة النضالية التركية
بقلم فيصل حبطوش خوت ابزاخ( مجلة نارت)