وطنيوا شركيسيا يطلبون من الامم المتحدة النظر في مسألة الابادة الجماعية للشعب الشركسي


الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو م. غوتيريس

مقررة الأمم المتحدة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية

 كريمة بنون

أعزائنا  أصحاب القرار المحترمون،

كانت الحرب الروسية – القوقازية (1763-1864) إحدى أكثر الصفحات مأساوية في تاريخ البشرية. شركيسيا — أكبر بلد وأكثرها ازدهارًا في ذلك الوقت في القوقاز، والذي كان لديه بالفعل طريقة حياة ديمقراطية خاصة وثقافة متطوِّره ثرية ومميزة، — لم تعد قائمة. وكأحد الأشياء الذي يذكِّر بالماضي الذي كان قائماً، على سبيل المثال، زي عسكري للرجال — شركيسكا، الذي تم اتخاده زيا من قبل العديد من شعوب القوقاز، وكذلك القوزاق وضباط القيصر. وقد ارتدى آخر إمبراطور لروسيا نيكولاس الثاني شركيسكا كزي احتفالي. الأديغه (الشراكسة)، والجبليين الآخرين في القوقاز، وكذلك القوزاق، لا زالوا يرتدونه حتى الآن. وهذه ليست سوى لمسة صغيرة لما كانت عليه ثقافة الأديغه (الشركس).

وفقًا للبيانات الرسمية للجنة الآثار القوقازية، التي عملت خلال المدة 1864 – 1886 18 برئاسة أدولف بيرغر، فإن من بين أكثر من مليون أديغي (شركسي) مات أكثر من 400 ألف شخص في الحرب الروسية – القوقازية، وتم طرد 497 ألفًا، وبقي حوالي 80 ألفًا في وطنهم التاريخي. استمر طرد الشركس من القوقاز حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، عندما كان هناك فقط 60 ألف نسمة في وطنهم.

 في الوقت الحاضر ، يعيش الأديغه (الشركس) في الفيدرالية الروسية بشكل مكثف في ست مناطق: إنهم مرتبطون إسمياً، وعلى صلة، لكنهم ما يزالون يعتبرون شعوبا مختلفة وذلك في كلٍ من جمهورية قباردينو – بلكاريا، وجمهورية أديغيا، وجمهورية كراشاي – شركيسيا، وكسكان من غير السكان الأصليين في جمهورية شمال أوسيتيا-ألانيا، وكذلك في كلٍ من ستافروبول وكراسنودار. لا يوجد في أي من هذه المناطق مجالا لكي يتمتع الأديغه (الشركس) بمكانة السكان الأصليين، على الرغم من أنهم في الواقع كذلك.  ووفقا لتعداد عام 2010 للفيدرالية الروسية، يعيش في هذه المناطق ما مجموعه 680737 أديغي (شركسي). وخارج الفيدرالية الروسية، استقروا في أكثر من 50 دولة في جميع أنحاء العالم. تتركز أماكن توطينهم في كلٍ من تركيا والأردن وسوريا وإسرائيل والعراق وليبيا. ووفقًا لبيانات تقريبية ومتواضعة عن الشراكسة في تلك البلدان، فإن هناك حوالي 3 ملايين نسمة منهم يعيشون فيها.

في القرن العشرين، كان الأديغه (الشراكسة) — سكان اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية  —يقيمون في البدء في أربعة، ثم أصبحوا في ثلاث مناطق قومية ذات حكم ذاتي. فقد تم إلغاء مقاطعة شابسوغ القومية، التي كانت تقع على ساحل البحر الأسود (في الطرف الغربي من شركيسيا التاريخية) وذلك في عام 1945.

لقد أخفت العلوم التاريخة الرسمية قضية الحرب الروسية – القوقازية. وصُمِّم النظام السوفييتي بحيث لا يعرف عن المأساة التي أصابت أسلاف الأديغه (الشركس) سوى عدد قليل من الناس، وحتى لو كان لدى شخص ما هذه المعلومات، كان يتحتّم عليه أن يخشى الحديث عنها. والشركس هم غير الروس، الذين عاشوا في ظروف أكثر حرية، حيث لم تتح لهم الفرصة لرؤية بعضهم البعض، أو تبادل المعلومات مع أبناء جلدتهم في وطنهم التاريخي. أصبحت الحقيقة في نطاقها الكامل معروفة في حقبة ما بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، عندما تمكن علماء الجمهوريات القومية من الوصول إلى الأرشيفات. ثم ظهرت عدة كتب عن الإبادة الجماعية للأديغه (الشركس). لقد استندوا إلى تقارير وسجلات الجنرالات القياصرة وزعماء القوزاق الذين اهتموا بغزو الأراضي عن طريق القضاء التام على السكان، ويشمل ذلك المدنيين، من خلال استخدام تكتيكات الأرض المحروقة، الذي أدّى إلى حرمان الناس من سبل العيش المتبقية لديهم، وكيف تم في ذلك الحين بعد الحرب الترحيل الجماعي للسكان العزل. تم عمل كل شيء وفقًا للإثباتات المسجلة في تلك الوثائق من القيادات العليا: ”نحن بحاجة إلى أرض الشركس، لكن الشركس أنفسهم غير ضروريين بالنسبة لنا“.

اليوم، وتبعًا للوضع وفقًا لدستور الفيدرالية الروسية ودساتير كلٍ من جمهوريات أديغيا وقباردينو – بلكاريا وكاراشاي – شركيسيا (مثل الجمهوريات الروسية الأخرى) هي ولايات في الدّولة. غير أن حقوق الولاية الحقيقية: في باطن الأرض، والموارد الطبيعية، والضرائب العادلة، ووجود آليات لحماية اللغات الوطنية، وثقافاتها، واحتواء الرعاية الصحية في المناطق، وما إلى ذلك لا وجود لها. كما أن المناطق محرومة من الحقوق في علاقات السياسة الخارجية، والتي تعتبر مهمة بشكل خاص للشركس: لا يمكن لقباردينو-بلكاريا وأديغيا وكاراشاي-شركيسيا استخدام إمكانات الشتات في الخارج — لا من حيث جذب الاستثمارات ولا حتى من حيث عودة المواطنين إلى الوطن. ولم يبق للسلطات المحلية إلا بعض الوظائف الإدارية. لكن وفوق ذلك، فإن الحق في الانتخابات المباشرة لرؤساء الجمهوريات ورؤساء البلديات وحتى المستوطنات الريفية قد انتُزِع من السكان. لا يملك السُّكان أيضًا القدرة على مقاومة تزوير الانتخابات، بغض النظر عن تصنيف التزوير.

اعتمد المجلس الأعلى (برلمان) قباردينو – بلكاريا في عام 1992 قرارًا بشأن الإبادة الجماعية الشركسية التي ارتكبتها روسيا، وكذلك مجلس الدولة — (برلمان) جمهورية أديغيا — في عام 1996، أي خلال الفترة التي شهدت أكثر دمقرطة للبلاد بعد انهيار الإتحاد السوفياتي. وفور اعتماد هذين القرارين، خاطب البرلمانان الجمعية الاتحادية للفيدرالية لروسية (مجلس دوما الدولة في الفيدرالية الروسية) بطلب الاعتراف بالإبادة الجماعية للشركس، لكن النواب المحليين وكذلك ناخبيهم، لم يتلقوا عدم الإعتراف بالإبادة الجماعية فقط، لكن ولا حتّى أي رد رسمي. ومع ذلك، فقد يكون الرد المنتظر هو ما جاء في ”نداء رئيس الفيدرالية الروسية بوريس يلتسين لشعوب القوقاز في الذكرى السنوية الثلاثين بعد المئة (130) على انتهاء حرب القفقاس“ وذلك في 18 مايو/أيار 1994، حيث عبر فيها رئيس الدولة وتمشيا مع ”التفسير الموضوعي لأحداث حرب القفقاس“ اعتبر ذلك بانه صراعا شجاعا لشعوب القوقاز ”ليس فقط للبقاء في وطنهم الأصلي، ولكن أيضا للحفاظ على الثقافة الأصلية، وهي أفضل السمات في الشخصية القومية“.

على العموم، وباستثناء نداء بوريس يلتسين المذكور أعلاه، اعتبرت الحكومات الروسية المتعاقبة في جميع الفترات أن الشعب الشركسي شعب معادٍ قد يبدأ بالتأكيد في الانتقام من هزيمتهم. هذا اتهام غير واقعي، حيث لم يكن هناك من حيث البداية حتى ذرَّة من الحقيقة. وطوال فترة المنفى بأكملها، لم يقم الشركس بمحاولات لجذب بلدان إقامتهم إلى مواجهة عسكرية مع روسيا. بل العكس صحيح، لقد بذلوا كل ما في وسعهم لضمان أن تحافظ بلدانهم على علاقات ودية مع بعضها البعض.

وفي أكتوبر/تشرين أوّل 1996، تم الاعتراف بالإبادة الجماعية للشركس التي ارتكبتها الإمبراطورية الروسية من قبل منظمة الأمم والشعوب غير المُمَثَّلة (UNPO).

منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت الديمقراطية في الفيدرالية الروسية تتقلص. أثّرت هذه العملية بسرعة على الأديغه (الشركس) في جمهورية أديغيا، باعتبارها الجزء الأقل حماية للمواطنين غير الروس في الفيدرالية الروسية، حيث يؤلف السكان الأصليين الشركس فيها فقط حوالي 25 ٪ من السكان. نشأت القضية حول حرمان جمهورية أديغيا من وضع الجمهورية ومحاولة عودتها لتصبح جزءا من منطقة كراسنودار. وفي إطار هذا الصراع الذي قام به الشركس باسم العدالة، أعدّ الكونغرس الشركسي — وهو منظمة عامّة في جمهورية أديغيا — قرصًا مدمجا يحتوي على مجموعة من الوثائق التي تؤكد الإبادة الجماعية للأديغه (الشركس)، حيث تم إرساله في يوليو/تموز  من عام 2005 مرفقا بطلب للاعتراف بتلك الإبادة الجماعية إلى مكتب التسجيل في مجلس الدوما في الفيدرالية الروسية. ورداً على ذلك، أرسل برلمان الفيدرالية الروسية، خليفة الإمبراطورية الروسية، شرحاً ساخراً للناشطين بأن الشركس لم يعانوا أثناء ترحيل ستالين للشعوب، بمعنى أنهم تغاضوا عن مأساة أخرى والتي هي أقل حجمًا حدثت بعد 80 سنة من انتهاء الحرب الروسية – القوقازية.

في أكتوبر/تشرين أول 2006، تم الطلب من البرلمان الأوروبي الاعتراف بالإبادة الجماعية التي تعرض لها الشركس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووقع الوثيقة قادة 20 منظمة شركسية عامة من روسيا وتركيا والأردن وسوريا وإسرائيل والولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبلجيكا. وفي نوفمبر/تشرين ثاني من العام نفسه، ناشدت ست منظمات عامة شركسية في شمال القوقاز رئيس الفيدرالية الروسية فلاديمير بوتين بطلب مماثل — هو الاعتراف بالإبادة الجماعية للشركس التي ارتكبتها روسيا القيصرية.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2005، بدأ الجمهور الروسي العمل مع حكومة جورجيا لتشجيعها على الإعتراف بالإبادة الجماعية للأديغه (الشركس) التي ارتكبتها الإمبراطورية الروسية. في مايو/أيار 2011، ”اعتمد برلمان جورجيا قرارًا يعترف بالإبادة الجماعية للشركس من قبل الإمبراطورية الروسية خلال حرب القوقاز“.

منذ مارس/آذار 2011، نشأت مأساة جديدة واسعة النطاق للأديغة (الشركس) الموجودين في الشتات خارج وطنهم — وهي الحرب التي استعرت في سوريا. فقبل الحرب، كان يعيش في تلك الدولة العربية حوالي 120 ألف أديغي (شركسي). وبالنظر إلى العلاقات الودية بين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، وعلى أمل الإخلاء إلى وطنهم التاريخي، تركز الأديغه (الشراكسة) السوريين في الغالب في منطقة عاصمة الدولة — دمشق. ومع ذلك، لم يتم إجلاء الشركس السوريين أو إعادتهم الجماعية إلى وطنهم.

في الفترة من مايو/أيار إلى يوليو/تموز 2014، وبناء على طلب الشتات الشركسي الأمريكي، تم الاعتراف بالإبادة الجماعية للأديغه (الشركس) التي ارتكبتها روسيا من قبل الوحدات الإدارية لولاية نيو جيرسي (الولايات المتحدة الأمريكية) واين ، وبروسبكت بارك وهيلدون .

ومنذ مايو/أيار 2014 وحتى ديسمبر/كانون أول 2015، أرسل النشطاء الشراكسة إلى عدد من حكومات أوروبا الشرقية طلبًا للاعتراف بالإبادة الجماعية للأديغه (الشركس) التي ارتكبتها روسيا. وكانت تلك الدول هي أوكرانيا وبولندا ورومانيا ومولدوفا وليتوانيا ولاتفيا وفنلندا.

في يناير/كانون ثاني 2020، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحاجة إلى تعديل دستور الفيدرالية الروسية، الذي أثار قلق الأديغه (الشركس) في جميع أنحاء العالم.

وفي 13 / 2 / 2020 اعترف البرلمان السوري، وعلى ما يبدو انتقاماً لانتصارات الجيش التركي في محافظة إدلب، بالإبادة الجماعية للأرمن التي ارتكبتها الدولة العثمانية.

في نفس اليوم، برر السفير الروسي في تركيا أليكسي ييركوف، انحرافا عن موضوع بيانه حول المواجهة العسكرية السورية التركية، أعمال الإمبراطورية الروسية خلال الحرب الروسية – القوقازية، ونفي إبادة الأديغه (الشركس) واتهم أحفادهم المعاصرين بأنهم ألّفوا ”أسطورة جميلة“ عن مأساة واسعة النطاق أصابت أسلافهم.

وفي 26 / 2 / 2020 أرسلت فيدرالية المنظمات الشركسية في تركيا (Çerkes–Fed) التماسًا إلى البرلمان التركي تطالب في الاعتراف بالإبادة الجماعية للأديغه (الشركس) التي ارتكبتها الإمبراطورية الروسية.

وبالتالي، فإن أهمية إعتراف الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية للأديغه (الشركس) التي ارتكبتها الإمبراطورية الروسية تمليها عوامل عديدة. أهمها تشويه تاريخ غزو القوقاز والأكاذيب والافتراءات ضد الأديغه (الشركس)، وهم المدافعين المخلصين عن وطنهم. لكن الهدف هو زرع الكراهية باستمرار في البلاد ليس فقط للقوقازيين، لكن وتزداد أيضا التهديدات للقوميات غير الروسية، وبالتالي، تؤثر على حقوق الشعوب في تقرير المصير، والحفاظ على هوياتهم، ولغاتهم، وثقافاتهم المميزة، ومستويات معيشتهم اللائقة، وما إلى ذلك. وتزداد هذه التهديدات أهمية مع إدخال ما يسمى ”التعديلات“ الأولية المعيبة على دستور الفيدرالية الروسية غير المكتمل.

وبعبارة أخرى، تظهر عملية ”التعديل“ أن موقف السلطات العصرية في الفيدرالية الروسية يشبه موقف الأباطرة الروس في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن العشرين. لذلك، فإن الاعتراف بالإبادة الجماعية للأديغه (الشركس) لن يخدم فقط إحياء شعب واحد، لكنه سيصبح أيضًا حافزًا للآخرين لتحريرهم من الفوضى — سواء على الصعيد الوطني أو بمعنى أوسع من ذلك. وهذا، كما نأمل، سيكون بمثابة العامل الرئيسي في عودة الفيدرالية الروسية إلى مسار إعادة الديمقراطية.

عزيزي السيد أنطونيو غوتيريس والسيدة كريمة بنون! من الواضح أن السؤال الذي طرحناه ليس الأكثر ولوجا في صلب الموضوع بشكل مباشر. إن نظام بوتين، الذي يبدو غير شرعي في أعين الشعب الروسي لفترة طويلة حيث يدفعه المجتمع الدولي إلى الزاوية، وهو الذي يملك الأسلحة النووية. ويبدو أنه لا ينبغي إزعاجه بشأن قضية في الماضي البعيد زمنياً مثل الإبادة الجماعية للأديغه (الشركس). لكن موقفنا بالغ الأهمية، لأن هذه الإبادة الجماعية مستمرة في واقع الأمر إلى وقتنا الحاضر!

ونحن ندرك أيضا أن النظر في مسألة الإبادة الجماعية للأديغه (الشركس) في دورة للجمعية العامة للأمم المتحدة قد يتم منعها في أي مرحلة من المراحل التحضيرية. إما بسبب التمثيل الروسي نفسه أو من خلال تمثيل بلد — مؤيد لبوتين، يمكنه بسهولة التعامل مع هكذا أمر. إلا أنّهُ في هذه الحالة، في رأينا، من الضروري أن نتذكر أن النظام والبلاد ليسا نفس الشيء. فقد تم اعتراف جزء من الفيدرالية الروسية المتمثل بكل من جمهورية قباردينو-بلكاريا وجمهورية أديغيا بالفعل بالإبادة الجماعية للأديغه (الشركس). ومن المستحيل محوها من تاريخ الشعب وليس فقط تجاهلها.

وبناءً على ما سبق، نحثكما على اتخاذ جميع التدابير الممكنة لتهيئة الظروف للنظر في مسألة الاعتراف بالإبادة الجماعية للأديغه (الشركس) التي ارتكبتها الإمبراطورية الروسية أثناء وبعد الحرب الروسية – القوقازية.

نحن واثقون من المنطق يجب أن يفوز حتى في مواجهة خطر جسيم!

ونحن مقتنعون بأن الأديغه (الشركس) المُفْترى عليهم ولكن المعروفين سينهضون من جديد، وأن بلادهم — شركيسيا — ستصبح حضارية ومزدهرة مرة أخرى!

وطنيوا شركيسيا 

25.03.2020

circassianews.com