تهجير الشركس من القوقاز(شركيسيا) جريمة إبادة جماعية تاريخية ارتكبتها روسيا القيصرية بحق الشركس المسلمين، راح ضحيتها مئات الآلاف قتلى، ومليون ونصف المليون شركسي هجروا من موطنهم الأصلي في القوقاز، ولا تزال صورة تلك المأساة وجراحها ماثلة في ذاكرة ووجدان الأجيال الجديدة من الشركس، في وقت تتجاهلها موسكو تماما.
حرب دموية
شهد شمال القوقاز بين عامي 1763 و1864 حربًا استمرت 101 عام بين الروس وشعوب المنطقة المسلمة، صنفت تلك الحرب باعتبارها من أكثر الحروب دموية على مر التاريخ، حيث راح ضحيتها أكثر من 500 ألف قتيل من سكان القوقاز، فضلا عن تهجير مئات الآلاف من الشركس وغيرهم من شعوب المنطقة.
الدوافع
كان لموقع القوقاز أهمية كبرى، فهي صلة الوصل بين وسط آسيا وأوروبا ومنها عبرت الهجرات البشرية باتجاه الغرب، كما انتقلت عبرها الحضارات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.
وقد كانت الطريق التجاري الآمن بين الهند والصين إلى أوروبا، وذلك قبل أن يبحر الأوروبيون بطريق رأس الرجاء الصالح وقبل شق قناة السويس.
وتكثر في القوقاز الغابات والسهول، ونظرا لكثرة أمطاره تنتشر فيه زراعة المحاصيل بشتى أنواعها، فضلا عن الثروات الباطنة من الغاز والبترول.
وفي القرن التاسع عشر أصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة في شمالي القوقاز، وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعوب هذه المنطقة الذين هبوا بدورهم للدفاع عن حريتهم واستقلالهم، وخلال هذه الأحداث دُمرت وأُحرقت معظم القرى الشركسية.
بداية النهاية
انتصرت روسيا القيصرية على شعوب القوقاز في "وادي كبادا" قرب مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود يوم 21 مايو/أيار 1864، وكان هذا التاريخ "بداية النهاية" للشركس وشعوب شمال القوقاز المسلمة.
اتبعت روسيا القيصرية سياسة التغيير الديمغرافي، فهجرت 1.5 مليون شركسي من مدن سوتشي وتوابسي وسخومي الساحلية إلى مناطق سيطرة الدولة العثمانية، وعلى رأسها مدينة فارنا، وهي مدينة بلغارية مطلة على البحر الأسود، وصامسون وسينوب وطرابزون، وهي ولايات تركية مطلة على البحر الأسود.
وخلال عمليات التهجير القسري قضى نحو 500 ألف شركسي -حسب أرقام غير رسمية- بسبب الأوبئة والجوع، ونفي معظم الشركس إلى منطقة الأناضول والأجزاء الأوروبية الخاضعة لسيطرة العثمانيين، ثم هاجر قسم منهم من تلك المناطق إلى سوريا والأردن.
تهجير قسري
لم يكن الشركس وحدهم ضحية سياسات التغيير الديمغرافي التي اتبعها الروس. فقد تعرض التتار، وهم السكان الأصليون لشبه جزيرة القرم، أيضًا لعمليات تهجير قسرية اعتبارًا من 18 مايو/أيار 1944، وتم تهجيرهم باتجاه وسط روسيا وسيبيريا ودول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية، التي كانت تحت الحكم السوفياتي آنذاك.
كما صودرت منازلهم وأراضيهم في عهد الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بتهمة "الخيانة" لتوزع على العمال الروس، الذين جُلبوا ووُطِّنوا في شبه الجزيرة ذات الموقع الإستراتيجي الهام شمال البحر الأسود.
وبحسب مصادر تتار القرم، فإنّ 250 ألف تتري تم تهجيرهم خلال ثلاثة أيام بواسطة قطارات تستخدم لنقل الحيوانات، وقضى خلال عملية التهجير تلك 46.2% منهم نتيجة المرض والجوع والظروف المعيشية والمعاملة السيئة.
كما شهدت الحقبة السوفياتية، وبقرار من ستالين، تهجير أتراك الأهيسكا من جورجيا إلى جمهوريات وسط آسيا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1944، وقضى 20 ألفًا منهم لأسباب مختلفة.
حضور وتجاهل
ويطالب الشركس حول العالم روسيا -التي تعد وريثة روسيا القيصرية- بالاعتذار والاعتراف بـ21 مايو/أيار يوما يرمز إلى "الإبادة الجماعية والتهجير بحق الشركس". وهو يوم الحداد الشركسي وخسارة الشركس لهذه الحرب.
يجتمع الشركس في هذا اليوم من كل عام في جميع أنحاء العالم، كل في منفاه أو أرض شتاته، لتذكر المأساة وتذكر الوطن الأم. حيث يجتمع شركس سوريا في الجمعية الخيرية الشركسية، وفي الأردن يجتمعون في الجمعية الخيرية الشركسية ويحضر هذا الجمع معظم قيادات الشركس في الأردن بما فيها المجلس العشائري الشركسي هناك مع مؤازرة رسمية من الحكومة الأردنية.
كما يجتمع شراكسة تركيا وأرض الوطن الأم شمال القوقاز، وشراكسة أميركا وفلسطين المحتلة وألمانيا كل في مدينته أو في أماكن مختارة ليستعيدوا ويحيوا ذكرى "ذلك اليوم الأسود المشؤوم" وذكرى ضياع أرض وطنهم وتشريد شعبهم، ويستذكرون المآسي التي جلبتها لهم حروب الإبادة الروسية الطويلة التي قاسوا ويلاتها سنين طويلة.
وعلى الرغم من ذلك لم تُقدم موسكو في وقتنا الحالي على أيِّ خطوة اتجاه إعادة الاعتبار للشركس، أو للتخفيف من ألم الجرح الغائر في ذاكرتهم.
المصدر : وكالة الأناضول,الجزيرة