هل يمكن أن تقع حرب كبيرة في القوقاز؟


لا يعد تأزم الأوضاع في منطقة قرع باغ مفاجئا، فقد توتر الوضع منذ وقت طويل، لكن في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي تم استخدام المدفعية في المنطقة لأول مرة منذ 20 سنة، ما أدى إلى مقتل عشرة جنود. ويضع التأزم الحالي موسكو في وضع صعب، حيث تريد روسيا الحفاظ على علاقات حسنة مع كلا من أرمينيا وأذربيجان. إضافة إلى ارتباط روسيا وأرمينيا بعلاقات تحالف ضمن منظمة معاهدة الأمن الجماعي، أي أن روسيا قد تضطر إلى دعم أرمينيا مباشرة، الأمر الذي قد يدمر العلاقات الروسية الأذربيجانية.

يعد النزاع في ناغورني قره باغ نزاعا عرقيا بين آذربيجان وأرمينيا، وقد اندلع في بداية التسعينيات من القرن الماضي. حينذاك شن الجانبان عمليات عسكرية في محاولة للسيطرة على الأراضي التي كانت في زمن الاتحاد السوفييتي جزءا من آذربيجان ولكن أغلبية سكانها من الأرمن. فظهرت جمهورية ناغورني قره باغ نتيجة النزاع العسكري الذي راح ضحيته أكثر من 15 ألف شخصا. وتحتل ناغوني قرة باغ حوالي 21 في المئة من الأرضي الأذربيجانية. وفي عام 1994 اتفقت كل من آذربيجان وأرمينيا على توقيع اتفاق التهدئة بينهما. ومنذ ذلك الحين يتباحث الجانبان في إطار مجموعة «مينسك» التابعة لـ«منظمة الأمن والتعاون في اوروبا» حول تسوية الوضع ولكن بدون نجاح أو أي نتيجة.

وتمكنت آذربيجان وأرمينيا من تجنب تجدد النزاع العسكري خلال 22 سنة. على مدى السنوات الست الأخيرة، صرّح الجانب الأذربيجاني كثيرا من التصريحات التي تدور حول الانتقام العسكري، وخاصة في عام 2014 عندما قامت أذربيجان مرارا بقصف القرى الحدودية، وحتى إن القوات الأذربيجانية قامت بإسقاط مروحية أرمنية من طراز «مي 24». كما تأزم الوضع في منطقة قره باغ بشكل خطير ليلة السبت 2 نيسان/أبريل وتبادل الجانبان الأرمني والأذربيجاني الاتهامات بانتهاك الهدنة، وأفاد الطرفان بوقوع اشتباكات عنيفة باستخدام الطيران والمدفعية. وجاء في بيان الأمم المتحدة حول المسائل الإنسانية أن 33 شخصا لقوا مصرعهم وأُصيب أكثر من 200 آخرين نتيجة الأعمال الحربية في المنطقة.

ويرى نيقولاي سيلايف، العضو في مركز مشاكل القوقاز والأمن القومي التابع لجامعة العلاقات الدولية في موسكو، أن السلطات الأذربيجانية كانت المتسبب في الأزمة الأخيرة ويضيف قائلا: « في بداية الثمانينيات من القرن الماضي كانت الأطراف الداخلة في النزاع تعمل على تصعيد التوتر في المنطقة، ومن الذين رغبوا في تصعيد الحرب المثقفين القوميين في باكو ويريفان وستيباناكيرت إضافة إلى زعماء وناشطين في المنظمات القومية الأذربيجانية والأرمنية. ولكن أذربيجان هي من بادرت إلى النزاع الأخير في قرع باغ». ويحذّر الخبير من خطر اندلاع حرب كبيرة في القوقاز في حال تجدد الأعمال الحربية واسعة النطاق. ولكن نظام التحالف الذي تشارك فيه روسيا، بالإضافة إلى الوسائل السياسية الأخرى التي تمتلكها موسكو، قد تمنع تطور الأحداث في المنطقة في هذا الاتجاه. ويدور الحديث هنا حول منظمة معاهدة الأمن الجماعي حيث توجد لدى روسيا التزامات بسبب تحالفها مع أرمينيا، ففي حال حدوث أي هجوم على أرمينيا من قبل دولة ثالثة، ستضطر روسيا إلى التدخل. من الواضح أن أرمينيا لا تستطيع منافسة أذربيجان في المجال العسكري. حيث يبلغ حجم الميزانية العسكرية الأرمنية حوالي 500 مليون دولار، الامر الذي يضطر أرمينيا إلى الاستدانة من روسيا في هذا المجال. وفي شباط/فبراير الماضي قدمت روسيا إلى أرمينيا قرضا بمبلغ بمقدار 200 مليون دولار لشراء السلاح. كما نشرت روسيا مؤخرا عددا من المقاتلات من طراز «ميغ 29» في القاعدة الجوية الأرمينية في أيريبوني بالقرب من الحدود التركية.

على الصعيد الداخلي، يهدد الوضع بالعودة إلى الحرب الساخنة التي اندلعت في الفترة ما بين العامين 1992 و1994 من القرن الماضي. كما أعلن السفير السابق لدى روسيا في أرمينيا فلاديمير ستوبيشين، أن تركيا قد تكون المحرض على الحرب، حيث تعتبر باكو أنقرة حليفتها المقربة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أن أنقرة ستعمل ما بوسعها من أجل تحرير الاراضي الأذربيجانية «المحتلة».

بالفعل، تأتي الأحداث في ناغورني قره باغ في صالح تركيا، خاصة في ظل تدهور العلاقات مع روسيا بعد إسقاط القاذفة «سو 24» في سوريا. ويقول المختص في الشؤون التركية، المحلل السياسي ومدير مركز «الشرق الأوسط ـ القوقاز» ستانيسلاف تاراسوف، إن أنقرة ترغب في حدوث مناوشات بهدف صرف النظر عن القضية السورية ويضيف قائلا:» أشاهد يوميا التلفزيون التركي، وما يجري هناك كابوس، فقد أصبح حال سبع محافظات تركية شبيهاً بالوضع في سوريا».

من جانب آخر، ترى الخبيرة بالشؤون التركية في معهد الشرق الأقصى في موسكو، يكاتيرينا تشولكوفسكايا، أن أردوغان يتهم روسيا بدعم أرمينيا للحصول على التأييد الشعبي، حيث يعتبر معظم الاتراك الشعب الأذربيجاني شعبا صديقا له. وتضيف يكاتيرينا قائلة:» وضع السلطات التركية ليست جيداً في هذا الوقت، حيث ارتفعت وتيرة الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات بسبب اللاجئين السوريين والسياسة التركية غير الموضوعية بشأن الأزمة السورية. لا أعتقد أن تركيا تريد الصدام مع روسيا بسبب ناغورني قرع باغ. المشكلة أن روسيا عدو تركيا الرئيس في عيون الشعب التركي وعملت وسائل الإعلام المحلية كثيرا من أجل تكوين هذه الصورة. وللأسف، في روسيا الوضع مماثل ولعبت وسائل الإعلام دورا رئيسيا هنا. ولهذا السبب هناك كثير من الاستفزازات من كلا الجانبين. وفي حقيقة الأمر، لا تهتم روسيا بتصعيد التوتر في ناغورني، وهو أمر أعلنت عنه السلطات الروسية مرارا وتكرارا».

مع ذلك، يعد دور موسكو أساسيا ومفتاحيا في تسوية هذا النزاع. حيث تقدم موسكو وعود ضمان السلام في القوقاز لمدة طويلة. وقد تم التوصل في موسكو إلى اتفاق تهدئة، حيث أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالات هاتفية مع كلا من الرئيسين الأرمني سيرج ساركيسيان والأذربيجاني إلهام علييف. ودعا بوتين إلى وقف الأعمال الحربية في القريب العاجل، والحفاظ على التهدئة. وجاء في بيان الكرملين نتيجة المباحثات، أن روسيا ستتخذ الخطوات اللازمة من أجل تطبيع الوضع في المنطقة.

وقال الخبير نيقولاي سيلايف في الحديث مع جريدة «القدس العربي» إن آفاق التسوية غامضة للغاية. كما يبدو أن اكثر ما يمكن أن يحققه الوسطاء الدوليون هو وقف إطلاق النار ولكن حتى هذا الأمر يُعدّ صعبا في ظل عدم رغبة الجانبين التوصل إلى حل وسط».

ويضيف الخبير أن روسيا تلعب دورا اساسيا، حيث تحظى موسكو بثقة ومصداقية لدى الجانبين الأرمني والأذربيجاني، مما يسمح لها بالتأثير على باكو ويريفان. وحسب الخبير، السؤال ها لا يدور حول الاعتراف باستقلال جمهورية ناغورني قرع باغ كما هو الحال في أوسيتيا الجنوبية وجورجيا. « كيف يمكن لروسيا الاعتراف بناغورني قرع باغ إذا كانت أرمينيا نفسها لا تعترف بها؟ ويعد عدم الاعتراف بها شرطاً أساسيا كي تحافظ روسيا على دور الوسيط الموضوعي. ووجود مثل هذا الوسيط هو عامل أساسي لتوفير الأمن في المنطقة. ولن تعمل روسيا على تقويض الأمن في القوقاز».

فيكتوريا سيميوشينا