الأديب الأردني الشركسي محمد عمر أزوقة
حوار: نضال القاسم
يمتلك الأديب الأردني محمد عمر أزوقة مسيرة طويلة تمتد لأكثر من ربع قرن، ألف خلالها عشرات الأعمال التي تجمع بين الرواية والقصة والترجمة والدراسات الأدبية والفكرية، ويؤكد في الحوار التالي مع «القدس العربي» أنه حاول تسليط الضوء على الأزمات العربية، فضلا عن المأساة التي عاناها الشركس على مدى قرن ونصف القرن من الإبادة والتهجير العرقي.
■ توزع نتاجكم الأدبي بين القصة القصيرة والرواية والترجمة والدراسات، كيف استطعت التوفيق بين هذه الأمور جميعا، وهل أنت راضٍ عن مسيرتك حتى الآن؟
□ التنوع في النتاج الأدبي مردُّه إلى رغبة شديدة في الوصول إلى عقول الناس من عدة محاور، فأنا أتأثر كثيراً بالحدث السياسي في أمتي العربية، وكذلك أنا اتحدر من أصول شركسية وأتأثر بالحدة نفسها بمأساة أجدادي، وهذا يدفعني إلى محاولة خدمة هاتين القضيتين بكل طاقتي.
الرواية هي صاحبة السبق في انتسابي، وأنا أتمنى أن أظل قادراً على العطاء في هذا المضمار. أما بالنسبة للترجمة، فهي محاولة مني لنقل الإبداعات باللغة الإنكليزية إلى العربية خدمة لأمتي، والواقع أن جل ما ترجمته عن الإنكليزية حتى الآن له علاقة بمأساة الأمة الشركسية التي هُجِّرت عن وطنها بعد نضال دام مئة سنة، وتعرض نصف أبنائها للفناء.
وهناك دراستان شعرت بضرورة القيام بهما، الأولى تتعلق بالقضية الشركسية، والثانية هي دراسة سياسية اقتصادية تهدف إلى توعية الأمة العربية للعمل على دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التخلي عن دعمها السافر لإسرائيل. أما مسألة الرضى فهي نسبية، فما زلت أشعر بأن هناك مسائل كثيرة أحب مناقشتها في مسيرتي الأدبية.
■ متى بدأت الكتابة، وهل كانت قراراً أم قدراً بالنسبة لك؟
□ بدأت الكتابة عام 1986 عبر رواية «الثلج الأسود»، ولهذه البداية قصة، فقد أصبت بعارض صحي الزمني الفراش شهرين كاملين، أتيح لي خلالهما وقت طويل جداً للتذكر ومراجعة النفس، رغم القراءة المكثفة التي كنت أزاولها.
ومع نهاية الشهر الأول، بدأت خيوط الرواية تتشكل في ذهني حتى أصبحت هاجساً يلح على مغادرة عقلي إلى الورق، وما أن تمكنت في نهاية الشهر الثاني من النهوض من فراشي، حتى جلست إلى «طاولة السفرة» وبدأت أكتب الرواية بسرعة وبدون توقف، حتى أنني أنهيتها في ثلاثة أشهر. أما عن كون الكتابة قرارا أو قدرا، فهي حتماً قدر، إذ لم أكن قبل ذلك العارض الصحي أفكر في الكتابة مطلقاً، فقد كنت أستمتع بكوني قارئاً.
■ هل هناك طقوس خاصة لكتابة الرواية لديك؟
□ ليست هناك أي طقوس أو استعدادات لكتابة أي رواية، تحضرني المواضيع بشكل مفاجئ وتستحوذ على تفكيري، أحياناً تجيء على شكل ردة فعل على حدث سياسي، كما حصل في «دقيقتان فوق تل أبيب» فقد أعارني صديق كتاباً لثلاثة صحافيين يهود عنوانه «دقيقتان فوق بغداد» يتحدث عن قيام إسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي.
استفزني موضوع الكتاب، واستفزني أكثر كون الكتاب قد ترجم إلى العربية ونشر في دمشق، كان ذلك أبلغ دليل على الدرك الذي انحدرت اليه العلاقة بين العراق وسوريا، رغم ادعاء سلطات القطرين بالانتماء إلى فكر واحد هو البعث، فصممت على كتابة رواية «سيناريو» يتحدث عن ردة فعل عربية على عدوان إسرائيلي معين. وقد استعنت وقتها بأصدقائي الضباط والكثير من المراجع العسكرية للخروج بتصور عقلاني لرد عربي يعيد إلى الأمة بعضاً من كرامتها.
■ ما هو الهاجس الذي يحرك قلمك؟
□ حال الأمة، فأنا أعيش الوضع السياسي العربي بكافة تفاصيله، وأكاد أقول إنني أدمن الاستماع إلى النشرات الإخبارية وقراءة الصحف والمجلات، حتى أنني ألجأ إلى المجلات الغربية العريقة مثل «التايم» و»الإيكونوميست»، لكي أطلع على ما يقوله «أعداء الأمة». كذلك هناك قضية المرأة العربية التي تستحوذ على حصة كبيرة من تفكيري، فكل النساء في قصصي ورواياتي ذوات شخصيات قوية وطموح وسعي للإنجاز وهو ما أريده لكل مرأة في أمتي، وآمل من رسم الأمثلة في الروايات، أن ألهم نساءنا للمضي قدماً بالإجادة في العمل، والسعي الدؤوب المتواصل، وراء حقوقهن كاملة.
■ إضافة إلى أعمالك الإبداعية، صدر لك عام 2010 كتاب بعنوان «القضية الشركسية» ماذا أردت أن تقول من خلاله؟
□ «القضية الشركسية» هي دراسة تحليلية تشتمل على معالجة لقضية إنسانية مؤلمة تمتد مأساتها عبر قرن ونصف القرن من التغريب والتهجير، بعد قرن من النضال غير المتكافئ بين امبراطورية روسيا ذات الإمكانيات الهائلة، ضد قبائل شركسية قليلة العدد والعتاد، سلاحها الرئيس شجاعة أبنائها وحبهم لوطنهم.
تبدأ الدراسة باستعراض لتاريخ الشراكسة ووجودهم المتصل في منطقة شمال القفقاس منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، ثم تشرح الدراسة مفهوم «القضية» حسب تعريفات علم الاجتماع والعلوم السياسية ثم الاقتصاد والقانون الدولي، مع تعريف لمفهوم الأقلية وحقوق الأقليات في ممارسة أديانهم واستعمال لغاتهم، ثم القضية من وجهة نظر حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
بعدها انتقلت إلى شرح الظروف والمتغيرات الدولية واحتمالات المستقبل بالنسبة للأمة الشركسية، مع استعراض لأوضاع بعض الدول المجاورة لروسيا التي كانت عضواً في الاتحاد السوفييتي، ثم وصلت إلى تأثير المد الإسلامي على جنوب روسيا الفدرالية وانعكاساته على القضية الشركسية، كما تطرقت إلى وضع الاسلام والمسلمين في روسيا الفدرالية، ثم حاولت أن أثبت بأن ما حدث للشراكسة قبل وأثناء التهجير الذي انطلق بقوة عام 1864 هو عمل من أعمال الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي على الأقل.