فريد واير- كريستيان ساينس مونيتور
في ظل تفاقم مشكلة اللاجئين في أوروبا، لا تقر روسيا حتى الآن بأن أزمة اللاجئين السوريين مشكلة مشتركة يجب حلها سوياً على رغم تحالف موسكو مع نظام دمشق ووفرة الموارد الروسية القادرة على استيعاب عدد كبير من السوريين. ومع تصاعد التدخل العسكري الروسي في سوريا يثور الجدل بشأن التزام موسكو تجاه الأقليات السورية المحاصرة. وتتصاعد الضغوط على روسيا كي يعود بعض على الأقل من الشريحة الشركسية السورية وقوامها 100 ألف شخص طرد أسلافهم من روسيا القيصرية قبل 150 عاماً. وهؤلاء يعتبرون منطقة شمال القوقاز الروسي وطنهم الأم التاريخي. وحتى السوريون الذين لا يتطلعون إلى أرض أسلافهم تقدم لهم روسيا فرصة أخرى للوصول إلى أوروبا وإن يكن عبر طريق ملتف ولكنه قد يكون أكثر أمناً بكثير.
ويستطيع هؤلاء المرور بدراجة عبر الحدود إلى النرويج. وأي من هذين العاملين يمكنه أن يلقي بمشكلة اللاجئين السوريين عند أعتاب روسيا رغماً عنها.
ويبلغ عدد سكان روسيا 144 مليوناً ومساحتها شاسعة ومستوى المعيشة فيها يضاهي المجر وبولندا ولديها مواردها الكثيرة وهي قادرة على استيعاب وافدين جدد إذا ما أرادت ذلك. ويعتقد ماكسيم شيفشينكو الصحفي الروسي الشهير والعضو في المجلس الرئاسي في الكرملين لحقوق الإنسان أن «روسيا حتى الآن جعلت وصول اللاجئين المسلمين إليها صعباً للغاية لأنها تضع عراقيل بيروقراطية كثيرة في طريقهم... وفي ظل الوضع الحالي الذي تتعرض فيه أقليات في سوريا لخطر الإبادة العرقية على أيدي داعش تمتلك روسيا القدرة على التحرك وتقع عليها مسؤولية لفعل شيء في هذا الصدد».
ولكن الشراكسة يمثلون مشكلة خاصة لروسيا لأنها إذا قبلت عودتهم فعليها الاعتراف بالمعاملة القاسية التي كابدها أسلافهم. فخلال القرن التاسع عشر طردت الإمبراطورية الروسية الشراكسة واستولت على أراضيهم في شمال غرب القوقاز. ومنذ بداية الحرب الأهلية السورية عام 2011، انتقل نحو ألف سوري شركسي إلى شمال القوقاز، حيث يمكنهم التفاهم مع الناس هناك بلغة أسلافهم. ولكن معظم التقارير تشير إلى أنهم لم يتلقوا إلا القليل من المساعدات الرسمية.
وقبل عامين نقلت روسيا جواً على نطاق محدود مواطنين روساً معظمهم نساء متزوجات من سوريين وأطفالهن من مناطق خطرة في البلاد. وهناك ما يقدر بنحو 40 ألف سوري لهم علاقات نسب بروس. وربما ليس من المصادفة أن تكون هناك مناورات حربية بحرية روسية شبه مستمرة بالقرب من سوريا.وقد أشار شيفشينكو إلى أنه يتعين على روسيا أن تغير رؤيتها وتهتم أكثر ليس فقط بالروس أو المتزوجين من روس بل بمساعدة آخرين أيضاً. وأضاف أن الكرملين بدأ يلتفت إلى هذه المسألة ويعتقد أن روسيا ستتخذ المزيد من الإجراءات بهذا الصدد. وتشير المصلحة الاتحادية للهجرة إلى أن في روسيا حالياً 12 ألف لاجئ سوري لم يتلق منهم أوراق إقامة قانونية حتى الآن إلا 2000 شخص. ويؤكد نشطاء في مجال حقوق الإنسان أن العراقيل البيروقراطية هي التي تحول دون ذلك.
ولدى روسيا عدد كبير من العمال المهاجرين المسلمين وهم في الأساس من دول وسط آسيا التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي السابق. ويعتقد خبراء أن اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى روسيا ربما يمتزجون بهذه المجموعة. ولكن تقارير في صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» نشرت في الآونة الأخيرة توحي بغير هذا. فقد أشارت التقارير إلى أن عدداً متزايداً من السوريين يدخلون روسيا إما بتأشيرة دراسة أو تأشيرة سياحة ثم يركبون القطار إلى مورمانسك في الشمال ويتوجهون مباشرة إلى المعبر الحدودي الوحيد مع النرويج. وقد تم رصد أقل من 200 شخص استخدموا هذه الطريقة للهرب إلى شمال روسيا بالقطار ثم إلى النرويج بدراجة هوائية فوق الدائرة القطبية.
وإذا تكاثر عدد الأشخاص الذين يسلكون هذا الطريق، فقد يدفع هذا روسيا إلى التعامل مع هذه المشكلة التي حاولت حتى الآن تجاهلها. ويرى شيفشينكو أن الوقت قد حان كي تبدأ روسيا في النظر بجدية إلى هذه القضية حيث يقول: «حتى إن كنا نؤيد الأسد، فعلينا أن نساعد الشعب السوري أيضاً، ولذا يتعين علينا أن تكون لدينا بعض الخطط الواضحة في التعامل مع تحدي الهجرة واللاجئين».