الشّابسوغ لاعبين مُهمّين على نحوٍ متزايدٍ في صراعِ الشّركسِ مع موسكو


بقلم: بول غوبل 

ترجمة: عادل بشقوي

ركز معظم المحللين المعنيين بالقضية الشركسية في شمال القوقاز على الجمهوريات الثلاث، حيث أن الشابسوغ هم إحدى المجموعات الفرعية من تلك الأمة، والقوميات الإسميّة —أديغيا، وكاراشيفو-شركيسيا وقباردينو-بلكاريا— أو على الشتات الضخم في تركيا والأردن وغيرها. لكن برز لاعب آخر في الصراع القوقازي مع موسكو للاعتراف بالأحداث المأساوية لعام 1864 واعتبارها “إبادة جماعية”، وإعادة توحيد وطن شركسي مشترك، وفي نهاية المطاف الإستقلال.

والشابسوغ هم مجموعة فرعية من الشراكسة في شمال غرب القوقاز. ومع تمركز السكان حول سوتشي، كانوا ربما أكثر تطرفا في الحملة الشركسية حول الاعتراف بالإبادة الجماعية في الفترة التي سبقت ألعاب سوتشي الشتوية الأولمبية في العام الماضي. إنّهم مجتمع ممثّل بشكل مكثّف في الشتات ومنظماته السياسية المختلفة. وعلى وجه التحديد لأنه لا يوجد لديهم جمهورية تخصّهم، لكنهم أكثر حضرية وحداثة من العديد من الجماعات العرقية أو القوميات الأخرى، فهم مجموعة يمكنها أن تعمل بطرق يمكن للآخرين في شمال القوقاز أن يكونوا مقيدين من القيام بها ويقوموا بربط هذه المجتمعات بعضها ببعض. وربما الأهم من ذلك، قد يكون الشابسوغ قادرين على المساعدة في ربط الخمسمائة ألف شركسي في شمال القوقاز مع الشركس الذين يبلغ تعدادهم أكثر من خمسة ملايين والذين يعيشون خارج روسيا.

في الأشهر الأخيرة، أصبحوا أكثر نشاطا في التجمعات الشركسية، سواء في داخل حدود الفيدراليّة الرّوسيّة أو في الخارج. وبشكل جلي، أحدث وجودهم مناقشات نشطة خلال اجتماعات مكرسة لاستعادة أبجدية شركسية مشتركة (Kavkazsky Uzel, June 15). ونتيجة لذلك، أصبحوا هدفاً لزيادة الاهتمام من قبل المسؤولين الروس وكذلك الباحثين الروس الّذين يعملون لمصلحة موسكو والذين يشعرون بالقلق إلى حدٍ بعيد بأن هذه المجموعة الفرعية من الشركس قد تمثل تحديا أكبر لمكانة روسيا في المنطقة من مجموعات أخرى تكبرها حجماً.

وفي مقال لألكسندر سكاكوف (Russia’s position)، وهو المنسق لفريق العمل التابع لمركز دراسات آسيا الوسطى والقوقاز (Center for the Study of Central Asia and the Caucasus) التابع لمعهد موسكو للدراسات الشرقية (Moscow Institute of Oriental Studies)، يقدم معلومات أساسية مهمة عن الشابسوغ. ولكن الأهم من ذلك، يشير مقال سكاكوف أن موسكو تخطط لمحاولة فصلهم عن الشركس الآخرين من خلال تعزيز هويتهم المتميزة، حتى وبما في ذلك استعادة وحدة الشابسوغ الإداريّة ذات الصبغة السياسية - الإقليمية ومحاولة استخدامهم كجسر للشركس في منطقة الشرق الأوسط في سبيل تعزيز أهداف السياسة الخارجية لموسكو (Kavkazoved.info, June 2).

يبدأ سكاكوف مؤكدا أنه على الرغم من فشلهم في منع أولمبياد سوتشي، لا تزال “قوى أجنبية تستمر في محاولاتها لإعطاء اتجاه معادٍ لروسيا إلى {العامل الشركسي} وعلى وجه الخصوص إلى مشكلة الشابسوغ، وهم مجموعة صغيرة من الأديغه [الشركس] الذين يعيشون في منطقة سوتشي الكبرى”. ويقول أنّهُ تحقيقا لهذه الغاية: يستمروا في الترويج لفكرة أنّهُ كان هناك “إبادة جماعية شركسية” في عام 1864. ويقول الباحث المسكوفي أنّهُ نتيجة لهذه الجهود، فإن “الوضع على الحدود الجنوبية لروسيا يبقى غير مستتب وليس من الصعب التكهن بأن {العامل الشركسي} عاجلا أم آجلا سوف يتم استخدامه مرةً أخرى مع أهداف معادية لروسيا من قبل هذه القوة الخارجية أو تلك”.

والشابسوغ، الّذين كانوا ذات مرة من أكبر المجتمعات العرقيّة الفرعيّة الشركسية، لا يبلغ تعدادهم الآن سوى أكثر من 10،000 بقليل ويعيش معظمهم في منطقتين من مدينة سوتشي أو في جمهورية أديغييا. ويشير أنّهُ في حين أن المذكورين يعتبرون أنفسهم جزءا من الأمة الشركسية، فإن الكثيرين منهم لا يزالوا يحافظون على هوية الشابسوغ المتميّزة؛ وينبغي على موسكو أن تستفيد من هذه الحقيقة.

لقد تم احتلال المساحة الأصلية للشابسوغ من قبل القوات الروسية في عام 1864، وأجبر ما بين 165،000 و 300،000 من الشابسوغ على الهجرة إلى الإمبراطورية العثمانية. كلّف هذا التصرف الكثيرين منهم حياتهم، ولكن يفسر أيضا لماذا يكون الشابسوغ عنصراً هاماً في الشتات الشركسي ولماذا يرى الكثيرين منهم ما حدث قبل قرن ونصف بأنه “إبادة جماعية”. هذا هو كل شيء وأكثر من ذلك لأنه لم تتم معاملتهم بشكل حسن سواء من قبل السلطات القيصرية، أو السوفيات أو الحكومة الروسية التي أتت بعد انهيار الإتحاد السوفياتي.

بعد الثورة البلشفية في عام 1917، سعى الشابسوغ لتشكيل جمهورية اتحادية ضمن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (الاتحاد السوفياتي)، لكن اعترضت موسكو على هذه الفكرة. بدلا من ذلك، أقامت مقاطعة وطنيّة للشابسوغ. وفي وقت لاحق تم دمجها بالمناطق الروسية، ونتيجة لذلك، أصبح الشابسوغ أقلية صغيرة في بحرٍ من الروس. وفي نهاية الحقبة السوفياتية، سعى الشابسوغ لاستعادة منطقتهم الوطنية، لكن تم إجهاض هذا الجهد عبر سياسات موسكو مع تأييد ذلك من قبل جمهورية روسيا السوفيتية الاتحادية الاشتراكية (RSFSR) في حين اعترضت عليه الحكومة السوفياتيّة. ومع ذلك، وحتى بعد عام 1991، فإن موسكو لم توافق على هذا التغيير الإقليمي، وإلى حد كبير لأن الحدود المقترحة لهذه المقاطعة كان من الممكن أن يشكل الشابسوغ فيها “ما لا يزيد عن 5 أو 6 في المئة” من سكّانها. ويقول سكاكوف أن الفشل أوجد ظروفاً لتطرف رأي الشابسوغ.

ويقول أنّهُ علاوة على ذلك، هناك احتمال بأن التطرف الديني سوف يؤدي إلى تفاقم هذه المشاعر. إن الشابسوغ من المسلمين السنة، “لكن مستوى تدينهم منخفض جدا” ويحتفظون بالعديد من المعتقدات والممارسات الدينية الّتي سبقت الإسلام. ومع ذلك، قد تسعى بعض القوى الخارجية لتحويل الشابسوغ في اتجاه الأفكار والحركات الإسلامية. وبالتّالي، يشير سكاكوف بأنّهُ “حتى أدنى تدخّل” من قبل القوى الغربية مع الشركس “لا يتوافق مع مصالح الفيدراليّة الروسيّة”.

وفي نهاية مقاله، يتقدّم الباحث الروسي باقتراحين: فمن ناحية، كما يقول، يجب على موسكو أن تكرس المزيد من الجهود للحفاظ على وتطوير هوية منفصلة للشابسوغ خشية أن يعبِّؤوا أنفسهم كشركس، وحتى النظر في إمكانية الرضوخ لمطالبهم في أراضٍ إداريّة سياسية لهم كوسيلة للقيام بذلك. ومن ناحية أخرى، يجب على موسكو أن تعتبر الشابسوغ كمورد سياسي لها في شمال القوقاز. ووفقا لسكاكوف، يمكن للشابسوغ أن يكونوا جسرا للجماعات الأخرى، وفي الشرق الأوسط، حيث لديهم علاقات وثيقة مع العديد من الحكومات في المنطقة.

المصدر: