الشركس في تركيا، في البحث عن الروح في العام 150 من النفي


بارشين يينانج

ترجمة: عادل بشقوي

ملاحظة المترجم:
لقد تمت الترجمة وفقاً للنص الأصلي، لكن يجب ملاحظة ما جاء في المقابلة: “كانت الأراضي الشركسية في السابق تحت سيطرة العثمانيين لكن من الناحية العملية كانت مستقلة”، وهذا غير صحيح، لأن شركيسيا لم تكن جزءا من الدولة العثمانيّة مطلقاً، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر.

***

يبحث الشركس في تركيا على نحو متزايد للحصول على حقوق من الدولة في خضم عملية تساؤل عن هويتهم ووضعهم بين أنقرة وموسكو، وفقا لاستاذ العلاقات الدولية في جامعة كادر هاس.

واضاف مدحت شيليكبالافي مقابلة جرت مؤخّراً، “إنّهم ينظرون إلى الأكراد ويقولون لقد كافحوا وحصلوا على حقوقهم. إذا بقينا صامتين فليس لدينا أي فرصة}”.

ماذا حصل قبل 150 عاماً؟

لقد تم نفي الشراكسة من وطنهم من قبل القوات الروسية. وكان ذلك إنعكاسا للتوسع الروسي في اتجاه القوقاز؛ كان ينظر إلى كل مواطني شمال القوقاز باعتبارهم تهديدا بسبب موقعهم. كانت الأراضي الشركسية في السابق تحت سيطرة العثمانيين لكن من الناحية العملية كانت مستقلة. لما كان العثمانيّون غير أقوياء بما يكفي، قبلوا السيطرة الروسية على تلك المناطق. قبلوا أيضا وصول الشركس من أجل تحقيق توازن الأقليات الأخرى أوّلاً في البلقان وبعدها في الأناضول.

ويبدو أنه مع تأسيس الإتحاد السوفياتي، أدرك كل أولئك المنفيين بأنه سيكون من الصعب جدا أن يعودوا. هل يمكنك إعطاء ملخص قصير عما حدث خلال السنوات المئة والخمسين الماضية؟

ومع إنشاء الجمهورية التركية، طُلِب من القادة السياسيين الشركس بالتزام الصمت لأن الجمهورية الجديدة كانت بحاجة لإقامة علاقات جيدة مع السوفيات. وهكذا حتّى أعوام التسعينيات من القرن الماضي، كانت كافّة تلك المجتمعات القوقازية بالأحرى صامتة، وتتعامل جمعياتهم مع الأحداث الثقافية. بدأت مجموعات الشتات الرئيسية بالإنصهار في وقت مبكر من سنوات الجمهورية؛ وتقبّل أكثرهم ذلك طوعا لأن هذا كان الملاذ الأخير. وقد أدركوا بأنهم لا يستطيعون العودة، [ولكن هذا] بلد مسلم وملاذاً آمناً.

هكذا بدأ الشركس ليصبحوا جزءا من الدولة، المؤسّسة. لقد تم تسييسهم بالتوازي مع السياسة التركية: الجناح اليساري والجناح اليميني والإتجاه الديني وغير الديني. وقد منعهم ذلك من وجود هيئة موحدة، وهذا هو سبب وجود منظمات شتات متنوّعة حالياً.

من هم الشّركس؟

هذا هو السؤال الهام. عندما جاؤوا إلى الأناضول، صنّف العثمانيّون الجميع بأنّهم شركس، لكن شمل ذلك جميع الفئات من شمال القوقاز - الأديغه والشيشان والأنغوش والأبخاز والقباردي، الذين كانوا مختلفين عرقياً عن بعضهم البعض.

وبعد تفكّك الإتحاد السوفياتي وظهور بلدان شمال القوقاز باعتبارها كيانات مختلفة، أدرك الشتات بأنّهم مختلفون عن بعضهم البعض وأثار ذلك نقاشا حول من هم الشركس. في تركيا، وبشكل رئيسي فإن الأديغه يسمون أنفسهم بالشركس وحاولوا إزالة الآخرين من المظلة الشّركسيّة. وقد أثر على ذلك النّهج استقلال أبخازيا والشأن الشيشاني. في البداية، كانت كل المجموعات متّحدة ضد روسيا. ولكن هوية الشيشان أصبحت أكثر إسلامية، وبالتالي بدأ الشركس بالنأي بأنفسهم عن الشيشان والأنغوش بسبب طابعهم الإسلامي والمتطرّف.

وهكذا أنشأ الشيشان منظماتهم الخاصّة بهم من أجل دعم القضية الشيشانيّة. وحول القضية الأبخازيّة، كان القوقازيون متحدون في البداية للدفاع عن القضية الأبخازية. ولكن عندما اعترفت روسيا باستقلال أبخازيا في عام 2008، ظهرت الخلافات. أنشأ الأبخازيّون في تركيا منظمات منفصلة خاصة بهم لدعم مصالح الدولة الأبخازية التي تتداخل مع تلك التي تهم روسيا. لكن مجتمعات أخرى مثل الأديغة هي معادية لروسيا. لذا ما يحدث في شمال القوقاز ينعكس على الشتات القوقازي في تركيا.

والشركس، في الوقت المناسب، توصّلوا إلى مواقع إتّخاذ القرارات الهامّة. كيف أثّر جودهم على العلاقات مع روسيا، خاصة بعد تفكّك الإتحاد السّوفياتي؟

كان الشركس يتميّزون بثقافة جيدة جداً، لم يكن لديهم وطن، لذلك كانوا بحاجة لإظهار أنفسهم. كان الخيار الوحيد، لكن الأفضل، هو خدمة الدولة التي التجؤوا لها. وكانت النتيجة النهائية الاستيعاب (الإنصهار). الجمعيات الشركسية حاليا تتباحث بأثر هذا الاستيعاب حيث أن فقط 10 إلى 20 في المئة من الشّركس يستطيعوا التّحدّث بلغتهم الأم.

في النصف الأول من سنوات التسعينيات من القرن الماضي، غضّتْ تركيا الطرف عن جماعات قامت بحشد الدعم لهؤلاء الذين يقاتلون ضد الروس مثلما حدث في الشيشان. بعد عام 1993، فرضت موسكو سيطرة على شمال القوقاز، وبدأت تركيا بمتابعة قضيتها مع حزب العمال الكردستاني المحظور (PKK)؛ فكان الرّوس ناجحين في استعمال هذه البطاقة ضد تركيا. توقفت تركيا عن غض الطرف عن الأنشطة التي يمكن أن ينظر إليها على أنها معادية لروسيا. قامت بتجميد الحسابات المالية. وقد تم فتح معسكرات إنسانية فقط للإهتمام بهؤلاء الفارّين من الحرب. لكن بالتوازي مع هذا التطور، بدأ تحول الوضع من هوية منفى لهوية شتات، بما يعني أن القوقازيين بدأوا الحصول على هويّة سياسيّة.

بدأت الجمعيات تتغيّر من منظّمات ثقافية إلى سياسية وخاصة في النصف الثاني من أعوام التسعينيات من القرن الماضي. في الحقيقة، كان صُنّاع القرار الأتراك في بداية أعوام التسعينيات من القرن الماضي، أكثر انفتاحا على المطالب المقدّمة منهم لأنه لم يكن هناك أي نشاط لجماعات ضغط تدعم القضية الروسية، ولكن مع تزايد أنشطة شركات البناء التركية والعلاقات في مجال الطاقة، تغيّر موقف الدولة التركية لأن العلاقات التركية - الروسية هي أكثر أهمّية من مجموعات شمال القوقاز. وسرّع ذلك في زيادة تسييس المجتمع من أجل أن يكون قادراً على إثارة القضية الشركسية.

والسؤال الآن هو: هل يجب أن يتعاملوا مع قضايا وطنهم الأم والعمل من أجل ذلك في تركيا وفي المحافل الدولية، أو بالتوازي مع دَمَقْرَطة تركيا، هل ينبغي عليهم أن يعملوا على تأمين حقوقهم؟

تدّعون أن المؤتمر الذي تم تنظيمه مؤخرا في ذكرى النّفى مهم جداً.

إن تجانس الدولة القومية والسلامة الإقليمية لتركيا في غاية الأهمّيّة بالنسبة للشركس. كانوا لا يحبون الأكراد أو مفهوم حقوق الإنسان؛ لقد نظروا نحو ذلك على أنّهُ خيانة. كانوا يعتقدون، “أتاحت لنا هذه الدولة اللجوء؛ إذا تعاملنا مع هذا النوع من القضايا، فسيتم تمييزنا مع مجموعة الانفصاليين”. وكان هذا الوضع حتى قبل ثلاث أو أربع سنوات. ولكن ما كانوا يشهدونه هو هذا: يجري تمثيل الأكراد في البرلمان، وقد بدأوا بضمان حقوقهم. الجمعيات الشركسية تفهم أنها ليست جزءا من المؤسسة. ومصالح الدولة تختلف عن المصالح الشركسية. هذا هو الوقت المناسب لطلب الحقوق الأساسية من الدولة بما أنها لا تعطي تلك الحقوق طوعاً. تعلموا ذلك من الحركة الكردية. من الواضح، بأن المسافة مع الدولة لا تزال ضيقة. والمؤتمر كان ثورياً نوعاً ما، بما أنه لأول مرة، كان متاحاً للتيار الرئيسي لحركات حقوق الإنسان. [الشركس] يتدارسون كيفية الدفاع عن حقوق المجموعة وكيفية المطالبة بها من الدولة. دعي ممثلو جميع الأحزاب السياسية للمرة الأولى. وتحدث عضو البرلمان [موال للاكراد] من حزب السلام والديمقراطية (HDP) عن الحركة السياسية الكردية وكان الجمهور متقبلا لحديثه. كان يمكن أن يكون هذا مستحيلا قبل عشرة أعوام. ، في حين تحدث ممثل الحزب الحاكم كصوت للدولة وهو شركسي الأصل، مما أثار انتقادات من الجمهور.

هل يمكن أن نتحدث عن صحوة شركسية؟

في الواقع يريد الشركس إبقاء هويتهم كأناس أخيار في نظر الدولة. إنهم ينتقدون ولكنهم يتفهمون موقف تركيا تجاه روسيا. انهم يريدون أن يكون لتركيا نهجاً أكثر توازنا مع روسيا. انهم من مواطني الجمهورية التركية. وهم يريدون أن يعيشوا في تركيا ولكنهم يريدون إبقاء اتصالهم مع الوطن الأم كنوع من إزدواجية الجنسية. فهم يدفعون أيضا بأن تكون تركيا أكثر حداثة في مجال حقوق الإنسان والجماعات الأساسية. هناك بالأحرى بحث عن الروح. إنهم ينظرون إلى الأكراد ويقولون: “قاتلوا وحصلوا على حقوقهم. وإذا بقينا صامتين فليس لدينا أي فرصة”. ورغم ذلك فالبعض، يعتقدون أيضا أنه ليس جيداً الصعود إلى العربة الكردية، قائلين انها يجب أن نبدأ من مكان ما [آخر].

بأي معنى يمكن ان يؤثر ذلك على العلاقات التركية - الروسية؟

العلاقات كثيفة لذلك لن يكون لها تأثير كبير. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوقازيين منقسمون، لذلك فهو من الجيد بالنسبة لروسيا، وكذلك لتركيا، أيضا، لأنه بدلا من التعامل مع مجموعة كبيرة، فإنهم يتعاملون مع مجموعات أصغر.

المصدر: