نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية مقالا تناول حادثة اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة أندريه كارلوف أمس الاثنين من منظور غير سياسي يمكن تصنيفه أنه قراءة في تاريخ العلاقات بين تركيا وروسيا وكيف أن الندية بينهما ساهمت في تشكيل العالم.
فقد وصف الصحفي إحسان ثارور في مقاله حادثة اغتيال كارلوف بأنها "لحظة مقلقة" في مسار العلاقات التركية الروسية في وقت تنعم فيه الحكومتان بالتقارب بعد فترة من الخصام بين رئيسي البلدين بشأن الأزمة السورية.
غير أن البلدين تمكنا في الآونة الأخيرة من إصلاح ذات البين، حسب وصف الكاتب الذي أشار إلى أن النمط السياسي الذي يتبعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشبه إلى حد كبير ذلك الذي ينتهجه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، فكان أن تعاونت الدولتان معا في الأسابيع الأخيرة في جهود إجلاء المدنيين من مدينة حلب السورية.
ومضى الكاتب إلى القول إن هذا التقارب بين أنقرة وموسكو جاء على خلفية تاريخ طويل وبعيد الغور من الاضطراب في العلاقات بين الحكام الروس والأتراك، فإبان الحرب الباردة كانت تركيا بمثابة حصن منيع لحلف شمال الأطلسي (الناتو) متاخم للإمبراطورية السوفياتية.
وقبل بزوغ فجر جمهوريات الاتحاد السوفياتي والجمهورية التركية الحديثة، كان للتنافس بين الروس والأتراك أثره الكبير على المصير السياسي على امتداد أوروبا والشرق الأوسط.
وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر خاضت الإمبراطورية الروسية التوسعية والعثمانيون حروبا عديدة ألحقت بالعثمانيين انتكاسات وأسفرت عن سيطرة الروس على الجانب الشمالي من البحر الأسود واقتطاعهم جزءا من المناطق الخاضعة للعثمانيين في أوروبا الشرقية والبلقان.
ومضى ثارور في مقاله إلى أن حكام الإمبراطوريتين اعتبروا أنفسهم حملة حضارتين، فالعثمانيون كانوا يمثلون ركيزة للإسلام، والروس رأوا أنهم حماة الكنيسة الأرثوذوكسية بل وورثة البيزنطيين القدماء، وطمع قياصرة موسكو في أملاك إسطنبول ورأوا في دحرها ممرا لهم إلى مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة وفرض سلطانهم على الأراضي المقدسة (فلسطين).
وسرد المقال المذابح التي ارتكبها الروس بحق المسلمين من القومية التركية في القوقاز والبلاد المطلة على البحر الأسود، وعرج على ما تعرض له عشرات الألوف من الشركس من تقتيل وتجويع وموت في زمهرير الشتاء أثناء رحلتهم القاسية صوب المنافي.
ومع أن خريطة الشرق الأوسط الحديث السياسية تعتبر نتاج مشروع فرنسي بريطاني بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، فإن الروس كان لهم دور فيها بموافقتهم على اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت حدود المنطقة جزئيا على الأقل.