الأردن الكبير يتشكل - فهد الخيطان, الغد الأردنية


سيناريو التمدد الجغرافي ليس واردا في ذهن القيادة الأردنية. الملك «عبدالله الثاني» زعيم واقعي، يفهم قواعد اللعبة السياسية في المنطقة ويتقنها. قبل فوضى الإقليم وربيعه الدامي، كان الملك قد تخلى مبكرا عن أفكار التوسع غربا، حيث الفكرة محل ترحيب غربي وإسرائيلي.

بعد توليه مقاليد الحكم من والده الراحل الكبير والطموح الملك الحسين، تبنى الملك شعار «الأردن أولا وأخيرا»، وظل على هذه السياسة.

التمدد الجغرافي يعني غرق المملكة في وحل المنطقة، وربما ضياعها. يدرك الملك ذلك، ومعه عموم الأردنيين.

لكن الأردن كبر فعلا، وبسرعة. لم يتمدد جغرافيا ولن يتمدد، لكنه توسع ديموغرافيا، وبشكل مذهل في العقد الأخير.

عشرات الآلاف من العراقيين يعيشون بيننا منذ أكثر من 15 عاما. عدد السوريين يزيد على المليون. وفي أحسن الأحوال ربع هذا العدد لن يعود إلى سورية؛ هذا ما تفيد به تجارب اللجوء في العالم.

أكثر من نصف الفلسطينيين الذين لجأوا للأردن بعد «النكبة» و«النكسة» استحقوا حقوق المواطنة عن جدارة.

وفي عمر الدولة الأردنية الذي ناهز المائة عام، استقبلت البلاد موجات لجوء متعددة؛ شوام، وشركس وشيشان، وحجازيون، ومغاربة، ولبنانيون، وعراقيون من عائلات مرموقة. وشكل هؤلاء مع الأردنيين من أبناء المدن والعشائر والقبائل، مجتمعا متنوعا ومتجانسا في آن. لم يفقد الأردن نتيجة هذه الهجرات هويته. ظل كما هو منذ التأسيس؛ المملكة الأردنية الهاشمية.

منحه هذا التنوع نكهة فريدة وعظيمة. هل يمكن تخيل الأردن بدون طبقة التجار الشوام؟ كيف كان للإدارة الأردنية أن تتميز من دون امتثالية الشركس وصرامتهم في تحمل المسؤولية؟

يشكو بعضنا اليوم من منافسة الشبان السوريين لأقرانهم من الأردنيين على الوظائف والمهن. لكن لا يذكر هؤلاء ما يمكن للأردني أن يتعلمه من المنافسة مع الفني السوري الماهر والمجد.

العراقي الذي يسكن بيننا منذ سنين طويلة، تزوج وأنجب أطفالا يتعلمون في مدارسنا وجامعاتنا، يتقنون لهجتنا وعاداتنا، ويعملون في شركاتنا مثلما نعمل في مصانعهم وشركاتهم.

البدايات الأولى لمهاجرين وصلوا إلى بلادنا قبل عقود طويلة، وصاروا من أعمدة السياسة والاقتصاد في الأردن، لن تختلف في المستقبل عن حال آلاف يخطون طريقهم اليوم في الأردن.

من يسأل الأوائل منهم عن هويته، لن يسأل بعد سنوات قليلة من جاؤوا بعدهم.

المجتمع الأردني منذ التأسيس وهو في حركة تشكل دائمة. الهوية واحدة لم تتغير، مع كل مكون جديد يضاف إليها. هذه ميزة وليست نقيصة. المجتمعات الحية والهويات الراسخة، هي التي تنجح على الدوام في هضم المكونات الجديدة واستيعابها، من دون أن يتبدل لونها أو تفقد خصائصها.

من كان يتصور أن «المنسف»؛ طبق العشائر والقبائل الأردنية والبدوية، سيصبح أكلة الأردنيين من شتى الأصول والمنابت، وعنوان كرامتهم، واعتزازهم بالهوية الأردنية؟

لم تفلح هويات عربية قطرية في بناء مجتمع مسالم. طغت الطائفية على الهوية الوطنية في العراق؛ لم يعد بوسع السُني والشيعي والمسيحي أن يعيشوا في وطن واحد. لبنان من قبل تأسس على التنوع، لكنه سقط في فخ الطائفية. والمطروح على السوريين اليوم خيار كارثي كتلك الخيارت، نأمل أن لا يكتب له النجاح. التنوع في تلك المجتمعات تحول إلى مصيبة على مكوناتها.

نجا الأردن، لأنه في الأساس لم يتشكل على أساس عرقي أو طائفي. الهوية الأردنية نجحت في اجتياز امتحان الدولة القطرية. لكن قدرتها على الصمود مرهونة باحتفاظها بهذه الميزة. إن تخلت عنها، فإن تنوعها الديموغرافي سيتحول إلى قنبلة تنفجر في أي لحظة.

الأردن الكبير ديموغرافيا يتشكل اليوم. وخبرتنا الطويلة مع التنوع ينبغي أن تسعفنا في هضم المكونات الجديدة.
المصدر | فهد الخيطان | الغد الأردنية