لقاء اجرته صحيفة اديغه ماق (جمهورية الاديغي) مع العائد ماهرغونجوق في 8 يوليو 2013
تحدثنا مع العائد ماهرغونجوق الذي بدأ يعمل في صحيفتنا منذ أكثرمن عام ، ويقوم بترجمة بعض المقالات الهامة إلى العربية ، ثم ندخلها نحن إلى الإنترنيت ، والتي تتحدث عن حياة ، وأخبار شراكسة الوطن ، والمهجر . ولد ماهر غونجوق بمدينة منبج السورية سنة ( 1951 ) ، ولما بلغ الثالثة من عمره انتقلت أسرته إلى مدينة حلب التي تعلم ، ودرس فيها ، وقد أنهى دراسته الجامعية بكلية الآداب قسم اللغة العربية . عندما بدأت الوفود القفقاسية تأتي إلى سوريا في نهاية الستينات من القرن الماضي تنبه وعيه القومي ، وتعمقت مشاعره ، وأحاسيسه القومية ، وازداد تعلقه بوطنه التاريخي ، وتعلم القراءة والكتابة باللغة الشركسية ، وكان قبل قد تعلم عزف الالحان ، والمقطوعات الشركسية الراقصة على الأوكورديون . في سنة (1993 ) عاد إلى أرض الوطن ، وهو ومنذ ذلك التاريخ يعيش ، ويعمل بمدينة مايكوب مدرسا لمادة اللغة العربية بجامعة جمهورية الأديغي ، ومترجما ، ومذيعا لأخبار الأديغي مع كل من السيدة سيمة بوغ ، وشنكول مفشْأقو .
ــ ماهر ، ماهي الدوافع الرئيسة لعودتك إلى وطنك التاريخي ؟ هل هو دافع قومي محض ، أو أن هناك أسباب أخرى ؟ .
ـــ حبي لشعبي ، ووطني كان الدافع الحقيقي ، والقوي لعودتي . وأنا لم أعد لأسباب أخرى ، وأنا مازلت أكن الحب لسوريا كوطن ، وشعب ، ولي فيها أهل ، وأقرباء ، وأصدقاء ، وزملاء ، وأحبة من الشراكسة والعرب ، ولي فيها ذكريات جميلة ، ويعيش فيها ما يقرب من مئة ألف شركسي حتى يومنا هذا ، وصِلاتي جيدة لم ، ولن تنقطع معها أبدا ، وطوال حياتي فيها لم أرتكب أي ذنب ، ولم أخالف الأنظمة ، والقوانين السارية ، والمعمول بها هناك ، فلم أسجن ، ولم أعاقب ، فعشت كريما عزيزا فيها ، أي أنني لم أطرد منها ، ولست مطلوبا من أي جهة كانت ، ولله الحمد . عدت إلى مايكوب عاصمة جمهورية الأديغي بمفردي ، وبمحض رغبتي ، وإرادتي ، ولم أكن أعرف الطريق لأنني لم أزرها من قبل كزائر أو سائح ، لقد بعت البيت الذي أسكن فيه ، ورجعت ، ودون أن أخبر أحدا من معارفي ، وأصدقائي في الأديغي ، أوفي قباردينا بلقاريا لأنني لم أرغب أن أكون عبئا على أحد . وقد وصلت بأمان وسلام ، وكانت الأوضاع مضطربة ، ولا تخلو الحياة من المخاوف حيث كانت البلاد تجري فيها متغيرات كبيرة في حياتها السياسية ، والإقتصادية ، وتعيش حالة من الفوضى . وأنا اليوم أعيش بكل اطمئنان ، وكأنني ولدت ، ونشأت هنا ، وعندما أزور سوريا أحس بعد أقل من شهر واحد بالشوق ، والحنين إلى الأديغي ، والرغبة في العودة ، وحين أدخل مدينة ما يكوب أشعر بالراحة ، والطمأنينة ، والسعادة . ــ أحس أنك قلق جدا على الأوضاع الراهنة التي تمربها سوريا ، حيث تجري فيها حرب داخلية مؤلمة ، ومؤسفة يقتل فيها الكثير من الأبرياء من أفراد الشعب السوري كما يعيش فيها عدد من أهلك ، وأقربائك ، وأصدقائك ، ونحن نتحدث كثيرا عن مسألة انقاذ الشراكسة من أنياب ، وأضراس تلك الحرب المشؤومة ، ونفكرفي مساعدتهم ، وإعادتهم إلى جمهوريتنا الأديغية ، وقد جرت نشاطات عديدة ، وقمنا ببعض الأعمال ، والإجراءات نود أن تحدثنا عنها . ـ ــ لا نستطيع أن نقول : أن ما قاموا به قليلا أبدا . إلا أن الفاجعة كبرى ، والمحنة شديدة ، والأزمة السورية أصبحت مشكلة مستعصية اليوم ، وصارت عبئا ثقيلا يهدد أمن ، واستقرار الدول المجاورة لسوريا ، ونحن نرى آثارها السلبية ، وبكل وضوح في تركيا ، ولبنان ، والأردن . ونحن نتألم ليس فقط لآلام أشقائنا الشراكسة في سوريا ، وإنما نحزن كثيرا لما يحدث للعرب السوريين أيضا . لكن أهم ما يشغلنا هو مصير ، ومستقبل شعبنا الشركسي في سوريا . هذه الحرب ليس لنا فيها ناقة ، ولاجمل ، وهي لاتحمل الخير لأحد ، ولا يرغب الشراكسة المشاركة فيها ، ومن أجل ذلك ، لم يأخذوا السلاح من أي طرف ، ولكن ورغم ذلك لم يسلموا من نيرانها ، ومن شرورها ، وأذاها ، ولحقتهم أضرارها . وكما علمنا فقد استشهد حتى اليوم أكثر من مئة إنسان شركسي ، ومما يؤسف له أن الأخبار التي نسمعها ، وتصلنا غير دقيقة ، ولا نعرف حقيقتها ، ولامدى صحتها ، ونحن نستقيها من أجهزة ، ووسائل الإعلام التي تذكر عدد الضحايا بصورة اجمالية ودون تمييز ، وكذلك نأخذها من القادمين من سوريا إلى الأديغي .
ــ هل وصلت الحرب إلى بلدتك منبج التي ولدت ، ونشأت فيها ؟ .
ــ لم يبق في سوريا مدينة ، أومنطقة ، أو قرية سلمت من نيران هذه الحرب الظالمة ، وقد سقط من أبناء الشعب الشركسي في منبج خمسة أو ستة أشخاص ، والعديد من الأبرياء من أهالي ، وأبناء هذه المدينة الطيبة . لم تبق المشكلة السورية أزمة داخلية ، أو قضية محلية ، أو عربية ، لا بل غدت مشكلة عالمية . لقد ضاقت وإلى حد كبير فرص السلام ، وبدأت فوهات المدافع يتعالى صوتها وبشكل صارخ ، ولكن من سينتصر في حرب خاسرة كهذه ؟ منذ مدة طويلة تبحث روسيا عن حل سلمي لهذه المشكلة ، وتقول : أن هذه القضية لايمكن أن تحل عسكريا ، وتقوم بمساع حميدة فتلتقي مع أمريكا ، ودول الإتحاد الأوربي ، والمسؤولين السوريين ، ومع أطراف المعارضة إلا أنها لم تستطع أن تجمعهم على طاولة واحدة نتيجة لتصلب مواقف المعارضة ، ومطالبتها برحيل الرئيس بشار الأسد ، وتضع ذلك شرطا أساسيا لبدء المفاوضات لذلك فالحرب مستمرة ، وآلات القتل والخراب ، والدمار تعمل بقساوة ، ولاتتوقف .
ــ نود أن تحدثنا عن السبل والطرائق التي تراها مناسبة لأعادة الشراكسة من سوريا ، والتي لم تستثمر بعد .
ــ في بادئ الأمر أحب أن أتوجه بالشكر إلى شعبنا الشركسي في الوطن الأم ، في قباردينا بلقاريا ، وفي الأديغي ، وفي كل مكان يعيشون فيه ، كما أقدم الشكر إلى شراكسة تركيا والجمعيات الشركسية فيها ، وإلى كل من مد إليهم يد العون ، والمساعدة في هذه المحنة الكبيرة . إن ما قدموه ليس قليلا أبدا ، ولكن لانستطيع أن نقول : أن ما فعلوه كافيا ، ويبدو قليلا إذا ما قورن بحجم المأساة التي ألمت بنا جميعا . ونحن العائدين من سوريا أشعر أننا مقصرين جميعا ، ولا نتحرك بالقدر الكافي ، والمطلوب ، ويتوجب علينا فعل الكثير ، إلا أننا لا نقوم حتى ولا بالقدر اليسير ، ونعلق كل آمالنا على روسيا منتظرين عونها ومساعدتها ، ووقوفها إلى جانب شعبنا ، فها هي قد قدمت عشرة ملايين دولار منذ أمد قريب إلى اللاجئين السوريين ، كما أرسلت موادا غذائية ، ومساعدات إنسانية اليهم ، ونحن نرجو أن تقف إلى جانبنا اليوم كما وقفت بالأمس ، وتوجه التعليمات إلى سفاراتها ، وقنصلياتها الموجودة خارج روسيا من أجل تسهيل معاملات الشراكسة السوريين الذين يرغبون في العودة إلى أرض الوطن ، وتقدم إليهم فيز الدخول إلى روسيا بسرعة لأنهم في شدة ، وضائقة ، وتفتح لهم أبوابها ، فالحرب مستمرة ، ويمكن أن يطول أمدها ، وحياتهم مهددة ، ونأمل أن تنقذهم من مخاطرها اليوم كما أنقذت شراكسة كوسوفو بالأمس القريب .
ــ ذكرت أنك درست الطلبة القادمين من سوريا ، وهل يرضيك ما يقدم إليهم من إعانات شهرية ؟
ــ في العام الماضي قمت بتدريسهم ، وهم يستفيدون من المنحة الشهرية التي تقدمها الجامعة إليهم ، وهذا لا يكفيهم بالطبع ، ولصعوبة إرسال إعانات إليهم من سوريا ، فإن المسجد المركزي لمدينة مايكوب ، وصندوق تطبيع حياة العائدين بأرض الوطن قد رفعوا المبلغ المقدم إليهم شهريا إلى ثلاثة آلاف روبل ، كما يقدمون إليهم مساعدات غذائية بين الحين والآخر ، لذلك فإننا نقدم إليهم كل الشكر والتقدير .
ــ حبذا لو أنك حدثتنا قليلا عن أسرتك ؟ وهل يتكلم أولادك باللغة الشركسية ؟ وما هي اللغات الأخرى التي يعرفونها ؟
ــ عدت إلى الوطن وأنا في الحادية والأربعين من عمري ، وكونت أسرة صغيرة حيث تزوجت فتاة شركسية من قرية فدز من عائلة قرخو اسمها جان َ، وهي تجيد الخياطة ، وتعمل في استوديو آرْجو ، ورزقنا الله فتاتين ، وطفلا واحدا . ابنتي الكبرى ، واسمها كوبسه بالجيم المصرية تدرس بجامعة جمهورية الأديغي الحكومية في كلية الإقتصاد ، وهي قد أنهت السنة الأولى ، والثانية واسمها دانا قد أتمت دراستها للمرحلة الإعدادية ، وستواصل دراستها في المرحلة الثانوية ، أما ايلاند فقد انتقل إلى الصف الخامس ، وأولادي ولله الحمد يتحدثون باللغتين الشركسية والروسية ، ويدرسون اللغة الإنجليزية والألمانية ، ويعرفون بعض الكلمات ، والجمل العربية . أخي الأكبر صباح الدين غونجوق عاد إلى الوطن مع أسرته منذ أكثر من سبعة أشهر ، وهو يعيش الآن بمدينة مايكوب ، وكان من قبل رئيسا للجمعية الشركسية بمدينة حلب ، وكان قد أرسل ابنه عمر إلى الأديغي ، وقد تزوج ورزقه الله طفلا أسماه صباح ، وابنة صغيرة جميلة أسماها سابينا . أما اسرة أخي محمد خير رحمه الله ، فقد تشتت في أربعة بلدان ، فنورس وعائلته يعيشون بمدينة نالتشيك ، وبيبرس وزوجته وأولاده ، ووالدته هم الآن ببلدة الريحانية في تركيا ويريدون أن يعودوا إلى الأديغي إلا أنهم لايستطيعون أن يعدوا الأوراق اللازمة لهم ، وأما نوزت فهو يعمل الآن بالمملكة العربية السعودية ، وابنتهم الوحيدة ميساء فقد بقيت مع زوجها وأولادها بمدينة حلب ، ونحن قلقون عليها جدا . أما أختي صبيحة فتعيش مع أسرتي بمدينة مايكوب ، وهي في الثانية والسبعين من عمرها . من خلال حال ، وواقع أسرتنا يمكن أن نبين ما أصاب شعبنا الشركسي ، وكم تشتت وتبعثر داخل سوريا ، وخارجها . كيف يمكننا أن نعيش براحة ، واطمئنان ، وأهلنا ، وأقرباؤنا هناك في أتون نيران حرب لاترحم الصغير ، ولا الكبير ، ولا تميز ما بين رجل ، ولا امرأة . ونتوجه إلى روسيا مرة ثانية ، ونطلب منها أن تقف إلى جانب شعبنا الشركسي ، وتعطي تعليماتها إلى سفاراتها ، وقنصلياتها بتسهيل اجراءات الراغبين في العودة ، وكذلك إلى كافة دوائر الهجرة والجوازات الموجودة في روسيا ، من أجل تسهيل معاملاتهم .
ــ في نهاية لقائنا بماذا تريد أن تدعو للشعب الشركسي ؟
ــ أدعو الله سبحانه، وتعالى أن يحفظهم ، ويرعاهم ، ويوفر لهم حياة آمنة ، وكريمة ، وأن يثبت أقدامهم فى أرض وطنهم الأم ، ويحققوا نموا ، وتقدما ، وازدهارا ، ويفتح للراغبين في العودة من شراكسة المهجر أبواب الوطن كما أتمنى أن تتطور العلاقات القائمة فيما بين الأديغي وروسيا من جهة مع سوريا والبلدان العربية الاخرى بما فيه كل الخير، والنفع والفائدة لكل الأطراف من أجل حياة أحسن ، ومستقبل أفضل .
ــ شكرا لك لأنك قد منحتنا جزءا من وقتك ، وتحدثت معنا في لقاء كهذا .
ــ أجرت هذا اللقاء السيدة : سنيات لإشَهْ .
ــ الترجمة : محــمد ماهــــر إســـلام .