مسعى موسكو ضم أبخازيا يعتبر درساً مريراً لأصدقاء روسيا ومعارضيها

الناشر: اوراسيا ديلي مونيتور
29 أكتوبر/تشرين الأول 2014
الكاتب: فاسيلي روخادزي 
ترجمة: عادل بشقوي

في يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، كشف الكرملين ما يسمى بِ"اتفاق التحالف والتكامل" بين روسيا وأبخازيا الانفصالية . ومن أجل تلخيص هذا النص الطويل والمسهب، فإن المعاهدة الجديدة تتوخّى اندماج تدريجي ولكن كامل في نهاية المطاف للإقليم الانفصالي، في شؤون الدفاع وإنفاذ القانون والجمارك والحدود والهيئات الاقتصادية والرعاية الصحية مع تلك الموجودة في الفيدرالية الروسية في غضون فترة زمنية مدّتها ثلاث سنوات . وبعبارة أخرى، فإن لغة الاتفاق ترسم محاولة سافرة لضم أبخازيا إداريا إلى روسيا بشكل ملائم. وقد مُنِح "البرلمان" الأبخازي الإنفصالي أسبوعين لمناقشة المعاهدة. ومع ذلك، فإن موسكو لا تتوقع أي ردود فعل سلبية من سوخومي حول هذا الاتفاق . وبالفعل، من الصعب تصور ما يمكن لتبليسي القيام به لتجنب هذا الضم لأبخازيا الذي يلوح في الأفق — وهو الإقليم الّذي يتمركز فيه الآلاف من قوات الاحتلال الّروسية.

هذه الخطوة الروسية الأخيرة لضم أبخازيا تسلط الضوء على عدد من التطورات من الماضي القريب والبعيد الّذي يكشف تماما الطبيعة الحقيقية لسياسة الكرملين تجاه ابخازيا وبقية أنحاء جورجيا على مدى السنوات الخمسة والعشرين الماضية. وللبدء، فقد أصبح من الواضح الآن وبجلاء من كان يقف وراء الاطاحة برئيس أبخازيا الإنفصالي ألكساندر أنكفاب  في مايو/أيار — ويونيو/حزيران 2014 . إن محاولة موسكو في الآونة الاخيرة دمج أبخازيا يشير بوضوح إلى أنّ الكرملين كان في الواقع، وراء الاحتجاجات التي قادتها المعارضة، والتي دفعت أنكفاب خارج السلطة. ومما لا شك فيه، كان أنكفاب زعيماً إنفصالياً موالياً لروسيا. ومع ذلك، أرادت موسكو شخصاً أكثر موالاة لروسيا، وأكثر عداء لجورجيا وأكثر طاعة من أجل تمهيد الطريق للإندماج المقبل للإقليم الانفصالي مع روسيا. وبالتالي، كانت الاطاحة بأنكفاب الخطوة الأولى على هذا الطريق. وكانت الخطوة الثانية صعود راؤول خاجيمبا الى السلطة، وهو خصم عنيد معروف لجورجيا وضابطاً سابقاً في الكي جي بي والذي قاد حمله لفترة طويلة لعلاقات أبخازية - روسية أوثق. في الواقع، كان قد لمح في الماضي إلى إمكانية إندماج أبخازيا المحتلة مع الفيدرالية الروسية. ومع وجود خاجيمبا بشكل مُطَمْئِن في المكان المناسب، انطلقت موسكو الآن لضم الإقليم. وغني عن القول، أن خاجيمبا مذعن تماما، وذلك في محاولة خرقاء لإخفاء نواياه الحقيقية وذلك من خلال الحديث عن "السيادة الأبخازية" و "مصالح البلاد" .

ومع ذلك، فإن الآثار المترتبة عن أحدث محاولة موسكو دمج أبخازيا مع روسيا تتجاوز تنصيب نظام إنفصالي جديد في سوخومي. وعبرالكشف عن "اتفاق التحالف والاندماج"، فإن روسيا في الواقع، أظهرت أن في ثرثرتها لعقود طويلة عن “حق تقرير المصير" و "السيادة" لأبخازيا لم تكن تظهر أكثر من وسيلة لخداع الانفصاليين الأبخاز وتخريب سلامة جورجيا الإقليمية وكيانها المستقل. ويبدو في الوقت الحالي أن روسيا تفعل ما قصدت دائماً أن تفعله: ضم أبخازيا وتمزيق جورجيا في النهاية. ولم يكن هذا الهدف الروسي باستمرار موضع شك بالنسبة لمعظم الجورجيين. ومع ذلك، فإن الإنفصاليين الأبخاز قد يشعرون بخيبة أمل، إن لم يكونوا بصريح العبارة قد خدعوا نتيجة لتحرك الكرملين الأخير. ويبذل النظام الانفصالي قصارى جهده لإخفاء أصوات الإستياء داخل صفوفه من أولئك الذين يعارضون علنا المعاهدة الأخيرة ومع ذلك، من المرجح انّه آصابهم أيقاظا قاسياً، حيث أنهم فضلا عن الانفصاليين الأبخاز يدركون الآن أنه قد تم التلاعب بهم وتم استخدامهم من قبل الكرملين لسنوات.

هذا الضم الذي يلوح في الأفق لأبخازيا له آثار بعيدة المدى. وعلى وجه التحديد، فإنه يمهد الطريق أمام ضم إقليم تسخينفالي (أوسيتيا الجنوبية). وهو أحد إقليمين جورجيين محتلين من قبل روسيا، وكانت تعتبر أبخازيا دائما هي القضيّة الأصعبويعني ذلك أن أي جانب يتمكن من حل القضية الأبخازية لصالحه، فإن القضية الأوسيتية ببساطة ستحذو حذوه. وبضم أبخازيا، سوف “تحل” موسكو تلقائيا القضية الأوسيتيّة كذلك، وذلك بدمج إقليم تسخينفالي دون عناء. وعلى نحوٍ ملحوظ، فإن النظام الانفصالي الأوسيتي كان يدعو إلى الاندماج مع روسيا منذ فترة طويلة .

علاوة على ذلك، فإن المؤامرة الروسية لضم أبخازيا يبيّن مرة أخرى للجميع أن روسيا ليست راغبة ولا قادرة على إقامة علاقات طبيعية مع جورجيا أو أي دولة صغيرة أخرى، (وخاصة) أي بلد مجاور. وعلى الرغم من سياسات الحكومة الجورجية الحالية التصالحية وغالبا السياسات الخانعة لتطبيع العلاقات مع روسيا، إلا أن علاقات جيدة مع موسكو تبدو أكثر قليلا من مجرد وهم. ومن خلال المحاولات الأخيرة لدمج أبخازيا، جعلت الحكومة الروسية من الواضح بجلاء مرة أخرى أنها لا تسعى حقا إلى علاقات طبيعية وودية مع تبليسي. وبدلا من ذلك، تطلب موسكو الطاعة غير المشروطة من الدول الصغيرة مثل جورجيا، ومن الواضح، تريد روسيا منهم البقاء في فلكها السياسي والاقتصادي. إن استمرار الخلاف بين البلدين يزيد من رغبة تبيليسي الانضمام الى منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. في الواقع، قبل أن توقع جورجيا اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بتاريخ 27 يونيو/حزيران، حذرت موسكو تبليسي بوضوح أنه سيكون
عواقب لهذه الخطوة
  ويبدو أن الكرملين الآن يعمل على تحقيق هذا التهديد.

عموما، فإن تحرك روسيا في الآونة الاخيرة نحو ضم أبخازيا يتضمن دروسا قيمة لأصدقاء موسكو وخصومها على حد سواء. أولا، دعم روسيا لأية مجموعة عرقية، صغيرة كانت أم كبيرة، هو دائما وهمي أو أنه جزء من جدول أعمال أعمق. إن مفاهيم “حق تقرير المصير" و"الاستقلال" هي مجرد شعارات في يد الكرملين من أجل تقويض دول مثل جورجيا. ثانيا، أي نظام "مستقل" تدعمه روسيا هو مجرد أداة مؤقتة في يد موسكو، والذي يمكن أن يتم رفضه واستبداله كلما دعت الحاجة إلى ذلك. ثالثا، إن الكرملين لا يسعى لإقامة علاقات طبيعية مع دول الجوار، وخاصة الصغيرة منها — بل تسعى موسكو لهيمنة كاملة، وعندما لا تطاع، قد تختار تفتيت ذلك البلد إرباً كما فعلت في مناسبات متعددة. برغم أن الطموحات الإمبريالية للنظام الثأري الحالي في موسكو تستمر في النمو، فإن العالم بحاجة إلى التقييم والتعلم من هذه الدروس إذ رغب في الرّد بشكل مناسب.

المصدر